قال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله في شرحه لكتاب التوحيد(2/23-25): "الاستسقاء
بالأنواء"
أي:
طلب
السقيا بالنجوم.
ما
حكمه؟ وما دليله؟
الأنواء
جمع نوء، من:
ناء
ينوء إذا نهض، والنوء عبارة عن أحد منازل
القمر الثمانية والعشرين.
وذلك
أن العرب تزعم في الجاهلية أن المطر إنما
ينزل بسبب طلوع النجم، وبعضهم يقول:
المطر
يحصل بسبب غروب النجم الذي يغرب في الفجر.
والخلاف
بينهم يسير.
المهم
أنهم يضيفون نزول المطر إلى طلوع النجم
أو غروبه، يظنون أن غروب النجم أو طلوع
النجم في الفجر هو الذي يسبِّب نزول المطر،
فيقولون:
مُطرنا
بنوء كذا وكذا، مطرنا بنوء الثريا، بنوء
القلب، بنوء العُوّاء، بنوء الغَفْر،
بنوء الزُّبانة، إلى آخره، هكذا تقول
العرب في جاهليتها.
وقد
أكذبهم الله فقال تعالى:
{وَتَجْعَلُونَ
رِزْقَكُمْ}
أي:
المطر
{أَنَّكُمْ
تُكَذِّبُونَ}
فتنسبونه
إلى الطالع أو الغارب من النجوم، وهذا
كذب، لأن الذي ينزل المطر
هو
الله سبحانه وتعالى، وليس طلوع النجم أو
غروبه، فيكذبون على الله سبحانه وتعالى،
وينكرون نعمة الله ويجحدونها، وكان الواجب
عليهم أن يشكروا نعمة الله، وأن يضيفوا
النعمة إلى الله، لكنهم أضافوها إلى غيره،
وقالوا:
مُطرنا
بالنوء الفلاني، فأنكر الله عليهم:
قولهم:
مطرنا
بنوء كذا وكذا وسمّاه الله كذباً، وهو
كذبٌ في الاعتقاد، وأشد الكذب هو الكذب
في الاعتقاد، قال تعالى {فَمَنْ
أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللهِ
وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ
أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً
لِلْكَافِرِينَ (32)
} ،
فالذي يكذب على الله وينسب نعمه لغيره،
وينسب المطر إلى مخلوق من خلقه فقد كذب
على الله أعظم الكذب، بدل أن يشكر الله
يكذب عليه، وينسب نعمه إلى غيره، وهذا
جُحودٌ للنعمة، وكُفرانٌ بها.
وقد
فصّل العلماء حكم ذلك فقالوا:
إن
اعتقد أنّ النجم هو الذي يوجد المطر؛ فهذا
كفرٌ أكبر، وشركٌ أكبر مخرجٌ من الملَّة.
أما
إذا اعتقد أنّ المطر ينزل بأمر الله
وبتقدير الله سبحانه، ولكنه نسبه إلى
النجم، أو إلى الطالع أو الغارب من باب
المجاز أو السبيبة -كما
يقولون-
فهذا
كفرٌ أصغر، وشركٌ أصغر، لكنه وسيلةٌ إلى
الشرك الأكبر، لأن الله لم يجعل النجوم
سبباً في نزول الأمطار، وإنما الأمطار
تنزل بأمره سبحانه وتعالى، فالأمطار إنما
تنزل بأمره وبسبب رحمته سبحانه وتعالى
كما دلّتْ على ذلك آياتٌ كثيرة من القرآن:
{فَأَنْزَلْنَا
مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ}
،
{وَنَزَّلْنَا
مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكاً
فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ
الْحَصِيدِ (9)
} ،
{وَأَنْزَلَ
مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ
مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ}
.
والحاصل؛
أن المنزِّل للمطر هو الله سبحانه وتعالى،
والرياح والسحاب إنما هي مخلوقات لله
سبحانه وتعالى.