الخميس، 19 ديسمبر 2013

إذا أراد أحدٌ منّا أن يختبر إيمانه فلينظر إلى موقع هذا الحديث منه ويطبِّقه على نفسه، هل هو يحب الرسول حقاً أم أنها دعوى تقال؟

قال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله في شرحه لكتاب التوحيد(2/41-43) وعند شرحه على حديث أنس أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والنّاس أجمعين" أخرجاه:
قوله:"لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبَّ إليه من ولده ووالده والنّاس أجمعين" وذلك أنه بعد محبة الله تأتي محبة الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فالأولى: محبة الله عزّ وجلّ، وهي محبة عبادة، وهي الأصل والقاعدة. أما محبة الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فهي تابعةٌ لمحبة الله عزّ وجلّ، تأتي بعد محبة الله وكذا محبة كل ما يحبه الله من الأشخاص والأعمال وهذه محبة في الله ولله فالمحبة المشروعة محبة الله والمحبة في الله، والمحبة الممنوعة هي المحبة مع الله. وتقديم ما تحبه النفس على ما يحبه الله.
وقوله: "لا يؤمن أحدكم" ليس نفياً لأصل الإيمان، وإنما هو نفيٌ لكمال الإيمان، أي: لا يكمُل إيمان أحدكم هذا إذا كان يحب الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولكن لا يقدم محبته على محبة غيره من الخلق.
أما إذا كان الإنسان لا يحب الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أصلاً، بل يبِغض الرسول، فهذا كافر، أما الذي يحب الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولكنه يقدِّم محبة ولده ووالده على محبة الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فهذا ناقصُ الإيمان، بل لا يكمُل إيمان العبد ولا يتم حتى يكون الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحبَّ إليه من نفسه التي بين جنبيه، وأحب إليه من ولده الذي هو بضْعَةٌ منه وجزءٌ منه، وأحب إليه من والده الذي هو أصله والمحسِن إليه، وأحب إليه من النّاس أجمعين أيًّا كانوا.
وهذا يقتضي أن الإنسان يقدِّم طاعة الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على طاعة غيره: فإذا أمرك الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأمر وأمرك والدك أو ولدك أو أحد من النّاس بأمر يخالف أمر الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإنه يجب عليك معصية هذا الآمر وطاعة الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهذا هو الدليل على محبة الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أن لا تقدّم على محبته شيئاً، ولا تقدّم على طاعة الرسول شيئاً، فإذا أمرك أحد بمخالفة الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلا تطعه ولو كان أقرب النّاس إليك ولو كان أحب النّاس إليك، فطاعة الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مقدَّمة، وهي ثمرة محبته ومن علامات محبة الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ترك ما لم يشرعه الرسول من البدع والمحدثات لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد" أي مردود عليه عمله هذا.
أما الذي يدّعي أنه يحب الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويُقيم الموالد والاحتفالات المبتدعة، والرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينهاه عن البدع والمحدثات، فلا يطيعه، وإنما يطيع المخرِّفين والدجَّالين في هذا، فهذا كاذبٌ في محبّته للرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لأن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن البدع والمحدَثات والخُرافات ولو كان النّاس عليها ولو كان عليها أبوك أو ابنك أو أقرب النّاس إليك، فمن كان عنده بدعة ومخالفة للرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وجب عليك معصيته، فإذا أطعته فإن هذا دليل على عدم صدق محبتك للرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فالحاصل؛ أنه ليس الدليل على محبة الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دعوى تُقال، أو احتفال يُقام، لأن الدليل على محبة الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: متابعته، وطاعته فيما أمر، وتصديقه فيما أخبر، واجتناب ما نهى عنه وزجر، وأن لا يُعبد الله إلاَّ بما شرع عليه الصلاة والسلام. هذا هو الدليل على محبة الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ونحن لا نقبل الدعوى، وإنما نقبل الدليل على الدعوى.
فالذين يعملون بالسنّة ويتركون البدع فهذا دليلٌ على محبتهم للرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أما الذين يدّعون أنهم يحبُّون الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولكنهم يخالفونه فيرتكبون ما نهى عنه ويتركون ما أمر به طاعةً لأنفسهم أو طاعة لغيرهم فإن هذا دليل على عدم صدقهم في محبتهم للرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والنّاس أجمعين" بل ومن نفسه.
فإذا أراد أحدٌ منّا أن يختبر إيمانه فلينظر إلى موقع هذا الحديث منه ويطبِّقه على نفسه، هل هو يحب الرسول، أحب إليه من نفسه، هل يحب الرسول أحب إليه من والده وولده والنّاس أجمعين؟، فإن كان كذلك فهو يحبُّ الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والدليل على ذلك- كما ذكرنا-: الموافقة للرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بتنفيذ أوامره وترك نواهيه واجتناب البدع والمحدثات التي نهى عنها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولو كان عليها أقرب النّاس إليه أو أحب النّاس إليه، يتركها طاعةً لله وطاعةً لرسوله، ومحبةً لله ومحبةً لرسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فدل هذا الحديث: على وجوب محبة الرسول بعد محبة الله عزّ وجلّ، وأن محبة الله ومحبة رسوله تقتضيان المتابعة للرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعدم المخالفة، وأنه لو أمرك أيُّ أحدٍ من الناس بأمر يخالف أمر الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وجب عليك معصيته ورفض ما يأمرك به، والأخذ بأمر الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فكما تجب محبة الله عزّ وجلّ تجب محبة رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} .