السبت، 31 مايو 2014

طالب العلم المبتدئ هل يبدأ في طلب العلم بالبحث عن الأدلة أم يقلد في ذلك أئمة أحد المذاهب؟

سئل العلامة العثيمين رحمه الله: طالب العلم المبتدئ هل يبدأ في طلب العلم بالبحث عن الأدلة أم يقلد في ذلك أئمة أحد المذاهب؟ ما توجيه سماحتكم حفظكم الله تعالى؟
فأجاب فضيلته بقوله: الطالب المبتدئ في العلم يجب عليه البحث عن الدليل بقدر إمكانه؛ لأن المطلوب الوصول إلى الدليل، ولأجل أن يحصل له التمرن على طلب الأدلة وكيفية الاستدلال فيكون سائرًا إلى الله على بصيرة وبرهان، ولا يجوز له التقليد إلا لضرورة كما لو بحث فلم يستطع الوصول إلى نتيجة أو حدثت له حادثة تتطلب الفورية، فلم يتمكن من معرفة الحكم بالدليل قبل فوات الحاجة إليها فله حينئذ أن يقلد بنية أنه متى تبين له الدليل رجع إليه، وإذا اختلف عليه المفتون، فقيل يخيَّر، وقيل يأخذ بالأيسر؛ لأنه الموافق لقوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185] .
وقيل: يأخذ بالأشد؛ لأنه أحوط وغيره مشتبه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه".
والأرجح أن يأخذ بما يغلب على ظنه أنه أقرب إلى الصواب لكون قائله أعلم وأورع، والله أعلم.
العلم (118-119)


هل يجوز تعلم العلم من الكتب فقط دون العلماء؟وما رأيك في القول القائل: من كان شيخه الكتاب كان خطؤه أكثر من الصواب؟


سئل العلامة العثيمين رحمه الله: هل يجوز تعلم العلم من الكتب فقط دون العلماء وخاصة إذا كان يصعب تعلم العلم من العلماء لندرتهم؟ وما رأيك في القول القائل:
من كان شيخه الكتاب كان خطؤه أكثر من الصواب؟
فأجاب قائلا: لا شك أن العلم يحصل بطلبه عند العلماء وبطلبه في الكتب؛ لأن كتاب العالم هو العالم نفسه، فهو يحدثك من خلال كتابه، فإذا تعذر الطلب على أهل العلم، فإنه يطلب العلم من الكتب، ولكن تحصيل العلم عن طريق العلماء أقرب من تحصيله عن طريق الكتب؛ لأن الذي يحصل عن طريق الكتب يتعب أكثر ويحتاج إلى جهد كبير جدًّا، ومع ذلك فإنه قد تخفى عليه بعض الأمور كما في القواعد الشرعية التي قعَّدها أهل العلم والضوابط، فلا بد أن يكون له مرجع من أهل العلم بقدر الإمكان.
وأما قوله: "من كان دليله كتابه فخطؤه أكثر من صوابه"، فهذا ليس صحيحًا على إطلاقه ولا فاسدًا على إطلاقه، أما الإنسان الذي يأخذ العلم من أيّ كتاب يراه فلا شك أنه يخطئ كثيرًا، وأما الذي يعتمد في تعلُّمه على كتب رجال معروفين بالثقة والأمانة والعلم فإن هذا لا يكثر خطؤه بل قد يكون مصيبًا في أكثر ما يقول.
العلم(ص110-111)



طالب علم يريد أن يذهب مع إخوانه في الله لطلب العلم وكان الحائل بينه وبين الذهاب معهم والده وأمه،فما الحكم في خروج هذا الطالب؟

سئل العلامة العثيمين رحمه الله: عن طالب علم يريد أن يذهب مع إخوانه في الله لطلب العلم وكان الحائل بينه وبين الذهاب معهم هو أهله، والده وأمه، فما الحكم في خروج هذا الطالب؟
فأجاب بقوله: هذا الطالب إن كان هناك ضرورة لبقائه عندهم فهذا أفضل مع أنه يمكنه أن يبقى عندهم مع طلب العلم؛ لأن بر الوالدين مقدم على الجهاد في سبيل الله، والعلم من الجهاد وبالتالي فيكون بر الوالدين مقدمًا عليه إذا كانا في حاجة إليه. أما إذا لم يكونا في حاجة إليه ويتمكن من طلب العلم أكثر إذا خرج فلا حرج عليه أن يخرج في طلب العلم في هذه الحال، ولكنه مع هذا لا ينسى حق الوالدين في الرجوع إليهما وإقناعهما إذا رجع، وأما إذا علم كراهة الوالدين للعلم الشرعي فهؤلاء لا طاعة لهما، ولا ينبغي له أن يستأذن منهما إذا خرج؛ لأن الحامل لهما كراهة العلم الشرعي.
العلم (ص110)

الرد على من يتهم النووي و ابن حجر وغيرهما بأنهم مبتدعة وإطلاق اللسان عليهم بكل جرأة

[تفريغ]
▒ الرد على من يتهم النووي و ابن حجر وغيرهما بأنهم مبتدعة وإطلاق اللسان عليهم بكل جرأة ▒
﹏ ﹏ ﹏ ﹏ ﹏ ﹏ ﹏ ﹏ ﹏ ﹏ ﹏ ﹏ ﹏ ﹏ ﹏ ﹏ ﹏ ﹏ ﹏ ﹏ ﹏

يسأل فيقول: إن بعض الشباب السلفيين كلما ذُكر عندهم الحافظ ابن حجر يقولون: إنه أشعري، فيريد توضيح عقيدة هذا الإمام -السائل- توضيحاً شافياً -كما قال- وغيره من الأئمة الذين قد زلوا في بعض العقائد. فيطلب السائل إزالة الغبش -على حد تعبيره- من هذه المسألة.
الجواب:
【 الحافظ ابن حجر، والإمام النووي، والذهبي، والبيهقي أحياناً، والإمام الشوكاني، وغير ذلك من الأئمة الذين خدموا الكتاب والسُّنة وقعوا في بعض التأويلات، في بعض تأويلات نصوص الصفات.
في أمثال هؤلاء يقول شيخ الإسلام: فإذا كان الله يقبل عذر من يجهل تحريم الخمر وربما وجوب الصلاة لكونه عاش بعيداً عن العلم وأهله فهو لم يطلب العلم ولم يطلب الهدى ولم يجتهد، فكون الله يعفو ويسمح فيقبل عذر من اجتهد ليَعْلم الخير وليَعْلم الهدى وبذل كل جهوده في ذلك، ولكنه لم يدرك كل الإدراك فوقع في أخطاء، إما في باب الأسماء والصفات أو في باب العبادة، أخطأ أخطاءً بعد أن اجتهد ليعرف الحق. يقول شيخ الإسلام: أمثال هؤلاء أحق بالعفو والرحمة والسماح -أو كما قال رحمه الله-.
وشيخ الإسلام كان يناقش علماء الجهمية، جهابذة علماء الجهمية فيقول لهم: لو قلتُ أنا ما قلتموه أنتم -أي لو كنت أنا مكانكم- لأكون كافراً، ولكنكم معذورون لأنكم جُهَّال.
يرى شيخ الإسلام إن الإنسان يعذر بجهله وخصوصاً إذا بذل مجهوده ليعرف الحق، ولا فرق عنده وعند غيره من المحققين بين الجهل في الفروع والأصول، قد يسوق في هذا أدلة منها: قصة الإسرائيلي النَبَّاش الذي لما دنا أجله أوصى إلى أولاده إذا مات يُحرِّقوه فيسحقوه فيرموه في اليَمّ، يقع جزء منه -من الذَّر- في البر والجزء الآخر في البحر ويتفرَّق وفي زعمه إذا فعل ذلك سوف يفوت على الله . قال: لَئِن قدر الله علي ليعذبني عذاباً لم يعذب أحداً قبلي -أو كما قال-.
يقول الإمام ابن تيمية: إنه جهل عموم قدرة الله تعالى. وفُعِل به ذلك، فبعثه الله فأوقفه بين يديه فسأله ما الذي حملك على هذا؟ قال: خشيتك يا رب! الخوف من الله، بمعنى إنه مؤمن ويخاف الله، مع ذلك جهل عموم قدرة الله تعالى وأن الله قادر على أن يجمع تلك الذرَّات فيبعثه. هذا جهلٌ في أصول الدين.
وكثير من أئمة الدعوة والمحققون يرون ذلك، حتى نَقَل عبد الله بن الإمام محمد بن عبد الوهاب عن والده أنه كان يقول: أولئك الذين يطوفون بضريح الشيخ عبد القادر الجيلاني وأمثاله لا بد من تنبيههم أولاً قبل الحكم عليهم بالكفر.
ولو تتبَّعنا أقوال المحققين الفقهاء أدركنا بأن العذر بالجهل عام في الأصول والفروع، وهؤلاء الأئمة وإن لم يكونوا جهالاً لكنهم فاتتهم مسائل كثيرة. الإمام الشوكاني كان شيعياً لأنه زيدي والزيدية من الشيعة ومن أقرب طوائف الشيعة إلى الحق، ترك الزيدية ورحل وقاطع جميع المذاهب تقليداً، كان مجتهداً غير مقلِّد، وسعى ليلحق بركب السلف في تفسيره وفي نيل الأوطار وفي غيرهما مما كتب، ولكن فاته الشيء الكثير إلى أن تصوَّر الإمام رحمه الله أن التفويض هو منهج السلف، وهذا خطأ. التفويض: تفويض معاني النصوص ليس هو منهج السلف، منهج السلف معرفة معاني النصوص كلها من السمع والبصر والاستواء والنزول والمجيء وغير ذلك، وتفويض الحقيقة إلى الله، التفويض تفويضان: تفويض المعاني وهذا خطأ -وهو الذي وقع فيه الإمام الشوكاني عفا الله عنه- وتفويض الحقيقة والكيفية والكُنْه، هذا الذي عناه الإمام مالك حيث قال: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة. 
وبالاختصار: هؤلاء معذورون فيما وقع منهم من الأخطاء في التأويل، وإطلاق اللسان عليهم بكل جرأة: إنهم مبتدعة وأنَّ مَنْ لم يبدِّعهم فهو مبتدع! هذه جرأة جديدة من بعض الشباب الذين أصيبوا بنَكْسة الحَدّاد، فنسأل الله تعالى أن يهدي قلوبهم ويردهم إلى الصواب، وهم أخطئوا كثيراً وابتعدوا كثيراً عن الجادة ، فصاروا يُبدِّعون الأحياء والأموات على حدٍّ سواء.
العلماء كبار علمائنا الذين يحضرهم مجالسهم طلاب العلم وغيرهم السلفيون والخلفيون على حد سواء، الذين يستفيدون من مجالسهم ، مجالسهم مجالس العلم والمذاكرة يبدِّعونهم بدعوى إنهم يجالسون المبتدعة! وهذا الخطأ فشا للأسف بين الشباب في الأونة الأخيرة وخير ما نقوله: اللهم اهدِ قلوبهم.】
�� ¸¸ العلامة محمد أمان الجامي رحمه الله وأسكنه الفردوس الأعلى¸¸
[المادة الصوتية]

الجمعة، 30 مايو 2014

ما توجيهكم لطلاب العلم حيث يلاحظ الإهمال وعدم الجد مما له آثار سيئة في التحصيل العلمي؟

سئل العلامة العثيمين رحمه الله: ما توجيهكم لطلاب العلم حيث يلاحظ الإهمال وعدم الجد مما له آثار سيئة في التحصيل العلمي؟
فأجاب بقوله: يجب على طلاب العلم أن يبذلوا غاية الجهد في تحصيل العلم، حتى يدركوا المعلومات إدراكًا قويًّا، راسخًا في نفوسهم؛ لأنهم إذا اجتهدوا أخذوا العلوم شيئًا فشيئًا سهلت عليهم ورسخت في نفوسهم وسيطروا عليها سيطرة تامة، وإن أنتم يا طلاب العلم أهملتم وتهاونتم انطوى عنكم الزمن، وتراكمت عليكم الدروس، فأصبحتم عاجزين عن تصورها فضلا عن تحقيقها فندمتم حين لا تنفع الندامة
العلم ص108

إذا كان آفة العلم النسيان فما الأمور أو الطرق التي تعين على ضبط العلم؟

سئل العلامة العثيمين رحمه الله: إذا كان آفة العلم النسيان فما الأمور أو الطرق التي تعين على ضبط العلم؟
الجواب: أن يهتدي الإنسان بعلمه قال تعالى: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ} [محمد: 17] .
ومنها: أن يكب على طلب العلم همه وهاجسه
ومنها: أن يتعاهده بالحفظ والمذاكرة.
ومنها: أن يستحضر الحكم ودليله عند كل عمل يقوم به. فلا يجعل طلب العلم عند التفرغ فقط، ولهذا يقولون: أعط العلم كلك يعطيك بعضه، وأعط العلم بعضك لا يعطيك شيئًا، فلا بد من الإكباب على طلب العلم ليلا ونهارًا، والمناقشة وتطبيق ما علمت على ما عملت حتى يبقى العلم.
 العلم ص108

أيهما أفضل: التفرغ للدعوة إلى الله عز وجل أم التفرغ لطلب العلم؟

سئل العلامة العثيمين رحمه الله: أيهما أفضل: التفرغ للدعوة إلى الله عز وجل أم التفرغ لطلب العلم؟
فأجاب قائلا: طلب العلم أفضل وأولى، وبإمكان طالب العلم أن يدعو وهو يطلب العلم، ولا يمكن أن يقوم بالدعوة إلى الله وهو على غير علم، قال الله تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ} [يوسف: 108] .

فكيف يكون هناك دعوة بلا علم؟ ولا أحد دعا بدون علم أبدًا، ومن يدعو بدون علم لا يوفق.
 العلم ص108

المغالاة في إثبات الإعجاز العلمي لا ينبغي

المغالاة في إثبات الإعجاز العلمي لا ينبغي لأن هذه قد تكون مبنية على نظريات والنظريات تختلف، فإذا جعلنا القرآن دالا على هذه النظرية ثم تبين بعد أن هذه النظرية خطأ، معنى ذلك أن دلالة القرآن صارت خاطئة، وهذه مسألة خطيرة جدًّا.
 العلم للعثيمين ص105

هل يعذر الشخص بعدم طلبه للعلم بسبب انشغاله بدراسته التي ليس بها طلب للعلم الشرعي أو بسبب عمله أو غير ذلك؟

سئل العلامة العثيمين: هل يعذر الشخص بعدم طلبه للعلم بسبب انشغاله بدراسته التي ليس بها طلب للعلم الشرعي أو بسبب عمله أو غير ذلك؟
فأجاب فضيلته: بقوله: طلب العلم الشرعي فرض كفاية إذا قام به من يكفي صار في حق الآخرين سنة، وقد يكون واجبًا على الإنسان عينًا أي فرض عين كما لو أراد الإنسان أن يتعبد الله بعبادة فإنه يجب عليه أن يعرف كيف يتعبد لله بهذه العبادة.
وعلى هذا، فهذا الذي يشغله عن طلب العلم الشرعي حاجة أهله أو غير ذلك
من الصوارف مع محافظة على ما يجب الحفاظ عليه من العبادة نقول: إن هذا معذور ولا حرج عليه ولكن ينبغي أن يتعلم من العلم الشرعي بقدر ما يستطيع.
 العلم ص105


العلم الذي أثنى الله على أصحابه، والذي أصحابه هم أهل خشية الله، إنما هو علم الشريعة فقط

العلم الذي أثنى الله على أصحابه، والذي أصحابه هم أهل خشية الله، إنما هو علم الشريعة فقط، وأما العلوم الأخرى فإنها إن كانت نافعة فإنها تكون مطلوبة لا لذاتها ولكن لما يُرجى فيها من نفع، وأما إذا كانت ضارة وجب اجتنابها، وأما إذا كانت غير نافعة ولا ضارة فإن الإنسان لا ينبغي أن يضيع وقته فيها.
 العلم للعثيمين(ص104)

يأبي الله العصمة لكتاب غير كتابه

قال ابن رجب رحمه الله في مقدمة القواعد الفقهية: يأبي الله العصمة لكتاب غير كتابه ولكن المنصف من اغتفر قليل خطأ المرء في كثير صوابه.
 العلم للعثيمين(ص103)

عبارة (ينبغي أن يعبد الله لا خوفاً من ناره ولا شوقاً إلى جنته) من عبارات الصوفية

عبارة (ينبغي أن يعبد الله لا خوفاً من ناره ولا شوقاً إلى جنته) من عبارات الصوفية، وتنسب إلى رابعة العدوية وأخذها الصوفية من بعدها بدون تعقُّل، فمن زعم أنه يعبد الله حباً له فقط لا يعبده خوفاً من ناره ولا شوقاً إلى جنته فقد زعم أنه خير من الأنبياء.
العلامة النجمي/فتح الرب الودود/ص10


ما رأي فضيلتكم في تعلم طالب العلم اللغة الإنجليزية لا سيما في سبيل استخدامها في الدعوة إلى الله؟

سئل العلامة العثيمين: ما رأي فضيلتكم في تعلم طالب العلم اللغة الإنجليزية لا سيما في سبيل استخدامها في الدعوة إلى الله؟
فأجاب بقوله: رأينا في تعلم اللغة الإنجليزية أنها وسيلة لا شك، وتكون وسيلة طيبة إذا كانت الأهداف طيبة، وتكون رديئة إذا كانت الأهداف رديئة، لكن الشيء الذي يجب اجتنابه أن تتخذ بديلا عن اللغة العربية، فإن هذا لا يجوز، وقد سمعنا بعض السفهاء يتكلم بها بدلا من اللغة العربية، حتى إن بعض السفهاء المغرمين الذين أعتبرهم أذنابًا لغيرهم كانوا يعلمون أولادهم تحية غير المسلمين يعلمونهم أن يقولوا باي باي عند الوداع وما أشبه ذلك.
لأن إبدال اللغة العربية التي هي لغة القرآن وأشرف اللغات بهذه اللغة محرم وقد صح عن السلف النهي عن رطانة الأعاجم وهم من سوى العرب. أما استعمالها وسيلة للدعوة فإنه لا شك أن يكون واجبًا أحيانًا، وأنا لم أتعلمها وأتمنى أنني كنت تعلمتها ووجدت في بعض الأحيان أني أضطر إليها حتى المترجم لا يمكن أن يعبر عما في قلبي تماما.
وأذكر لكم قصة حديث في مسجد المطار بجدة مع رجال التوعية الإسلامية نتحدث بعد صلاة الفجر عن مذهب التيجاني وأنه مذهب باطل وكفر بالإسلام وجعلت أتكلم بما أعلم عنه فجاءني رجل فقال: أريد أن تأذن لي أن أترجم بلغة الهوسا. فقلت: لا مانع فترجم فدخل رجل مسرع فقال: هذا الرجل الذي يترجم عنك يمدح التيجانية فدهشت وقلت: إنا لله وإنا إليه راجعون، فلو كنت أعلم مثل هذه اللغة ما كنت أحتاج إلى مثل هؤلاء الذين يخدعون، فالحاصل أن معرفة لغة من تخاطب لا شك أنها مهمة في إيصال المعلومات قال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} [إبراهيم: 4] .
العلم(ص100-101)


لست أقول كمن يقول: إنه لا يمكن إدراك العلم إلا على عالم أو على شيخ فهذا ليس بصحيح

لست أقول كمن يقول: إنه لا يمكن إدراك العلم إلا على عالم أو على شيخ فهذا ليس بصحيح؛ لأن الواقع يكذبه لكن دراستك على الشيخ تُنَوِّر لك الطريق وتختصره.
العلم للعثيمين(ص99)

أقول لطالب العلم ما دمت أنك قد فرغت نفسك للعلم فكن طالب علم حقًّا

كيف نرد على من قال: إن العلماء السابقين لم تكن لديهم المشاغل التي تؤثر على حفظهم كما هو حاصل لعلماء هذا الزمان، ومنهم من يكون ليس لديهم إلا التفرغ لطلب العلم وحفظه والجلوس بلا مشاغل، أما الآن فكثرت المشاغل الدنيوية التي تأخذ كل الوقت، والإنسان قد لا يستطيع الاستغناء عن هذه المشاغل؟
أقول لطالب العلم ما دمت أنك قد فرغت نفسك للعلم فكن طالب علم حقًّا، وأعتقد أن البَنَّاء الذي فرغ نفسه للبناء لا يلتفت إلى عمل آخر، بل يلتفت إلى مهمته التي كرَّس نفسه لها ورأى أنها هي الخير له، فما دمت تعلم أن طلب العلم هو الخير وتريد أن تتخذه طريقًا فلا تلتفت إلى غيره.
وفي ظني أن الرجل إذا ثابر مع الإيمان والإخلاص وصدق النية فإن الله - سبحانه وتعالى - يعينه ولا يعبأ بهذه المشكلات، والله - عز وجل - يقول: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا} [الطلاق: 4] .
{وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} [الطلاق: 2، 3] فعليك بصدق النية في الطلب تجد أن الأمر سهل وميسر.
 العلم للعثيمين(ص98)


قد يعلم الإنسان شيئًا ويأمر به غيره وهو نفسه لا يعمل فهل يحل له أن يأمر غيره بما لا يعمل؟

سئل العلامة العثيمين رحمه الله: قد يعلم الإنسان شيئًا ويأمر به غيره وهو نفسه لا يعمله سواء كان فرضًا أو نفلا فهل يحل له أن يأمر غيره بما لا يعمل؟ وهل يجب على المأمور امتثال أمره أم يحل له الاحتجاج عليه بعدم عمله ثم لا يعمل ما أمر به تبعًا لذلك؟
فأجاب بقوله: هنا أمران، الأمر الأول: هذا الذي يدعو إلى الخير وهو لايفعله نقول له: قال الله - عز وجل: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ} {كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصف: 2، 3] .
وأنا أعجب كيف رجل يؤمن بأن هذا هو الحق، ويؤمن بأن التعبد لله به يقربه إليه ويؤمن بأنه عبد لله ثم لا يفعله فهذا شيء يعجب له ويدل على السفه وأنه محط التوبيخ واللوم؛ لقوله تعالى: {لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ} . فنقول لهذا الرجل: أنت آثم بتركك العمل بما علمت وبما تدعو إليه، ولو بدأت بنفسك لكان ذلك من العقل والحكمة. أما بالنسبة للمأمور فإنه لا يصح له أن يحتج على هذا الرجل بفعله فإذا أمره بخير وجب عليه القبول، يجب أن يقبل الحق من كل من قال به ولا يأنف من العلم.
 العلم(ص97-98)


ما فائدة تعلم طلاب العلم فرق المعتزلة والجهمية والخوارج مع عدم وجودها في هذا العصر؟

 سئل العلامة العثيمين: ما فائدة تعلم طلاب العلم فرق المعتزلة والجهمية والخوارج مع عدم وجودها في هذا العصر؟
فأجاب بقوله: تعلُّم فِرَق المبتدعة في هذا الزمان فيه فائدة وهي: أن نعرف مآخذ هذه الفرق لنرد عليهم إذا وُجدوا، وهم موجودون فعلا، وقول السائل: إنه لا وجود لهم الآن مبني على علمه هو، ولكن المعلوم عندنا وعند غيرنا ممن يطلعون على أحوال الناس أن هذه الفِرَق موجودة وأن لها نشاطًا أيضًا في نشر بدعهم؛ ولذلك لا بد من أن نتعلم هذه الآراء حتى نعرف زيفها ونعرف الحق ونرد على من يجادلون فيها.
 العلم(ص96)

الخميس، 29 مايو 2014

الدعوة إلى الله فرض كفاية وإذا رأيت شخصًا منحرفًا وليس حولك من يدعوه صار الآن فرض عين عليك

الدعوة إلى الله فرض كفاية، أي إذا قام به من يكفي سقط عن الباقين، فإذا رأيت شخصًا منحرفًا وليس حولك من يدعوه صار الآن فرض عين عليكالعلم للعثيمين(ص96)

التقليد بمنزلة الميتة

°•.▒ التقليد كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى- بمنزلة الميتة إن اضطررت إليها فكلها، وإن استغنيت عنها فهي حرام عليك، فمتى نزل بالإنسان نازلة ولا يتمكن من مطالعتها في الكتب التي تسوق الأدلة فلا حرج عليه حينئذ أن يقلد، ولكنه يقلد من يراه أقرب إلى الحق في علمه وأمانته، وأما ما دام عنده قدرة على استنباط الأحكام من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فإنه لا يقلد. ▒.•°
⊰⊰ العلم للعثيمين ص92 ⊱⊱

حكم تعلم اللغة الإنجليزية في الوقت الحاضر

سئل العلامة العثيمين رحمه الله تعالى: عن حكم تعلم اللغة الإنجليزية في الوقت الحاضر؟
فأجاب بقوله: تعلمها وسيلة، فإذا كنت محتاجًا إليها كوسيلة في الدعوة إلى الله فقد يكون تعلمها واجبًا، وإن لم تكن محتاجًا إليها فلا تشغل وقتك بها واشتغل بما هو أهم وأنفع، والناس يختلفون في حاجتهم إلى تعلم اللغة الإنجليزية، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم زيد بن ثابت أن يتعلم لغة اليهود.

فتعلم اللغة الإنجليزية وسيلة من الوسائل إن احتجت إليها تعلمتها وإن لم تحتج إليها فلا تضع وقتك فيها.
العلم(ص91)

ما طريقة طلب العلم باختصار جزاكم الله خيرًا؟

سئل العلامة العثيمين رحمه الله: ما طريقة طلب العلم باختصار جزاكم الله خيرًا؟
فأجاب: بقوله: طريقة طلب العلم باختصار في نقاط:
1- احرص على حفظ كتاب الله تعالى واجعل لك كل يوم شيئا معينًا تحافظ على قراءته بتدبر وتفهم، وإذا عنت لك فائدة أثناء القراءة فقيدها.
2- احرص على حفظ ما تيسر من صحيح سنة الرسول صلى الله عليه وسلم ومن ذلك حفظ عمدة الأحكام.
3- احرص على التركيز والثبات بحيث لا تأخذ العلم نتفًا من هذا شيئًا ومن هذا شيئًا؛ لأن هذا يضيع وقتك ويشتت ذهنك.
- ابدأ بصغار الكتب وتأملها جيدًا ثم انتقل إلى ما فوقها، حتى تحصل على العلم شيئًا فشيئًا على وجه يرسخ في قلبك وتطمئن إليه نفسك.
5- احرص على معرفة أصول المسائل وقواعدها وقيِّد كل شيء يمر بك من هذا القبيل فقد قيل: من حُرم الأصول حُرم الوصول.
6- ناقش المسائل مع شيخك، أو مع من تثق به علمًا ودينًا من أقرانك، ولو بأن تقدر في ذهنك أن أحدًا يناقشك فيها إذا لم تمكن المناقشة مع من سمينا.
العلم(ص90-91)


كيفية الطلب وبأي شيء يبدأ من أراد أن يطلب العلم وبأي المتون يبدأ حفظًا

سئل العلامة العثيمين رحمه الله: كثرت الأسئلة عن كيفية الطلب وبأي شيء يبدأ من أراد أن يطلب العلم وبأي المتون يبدأ حفظًا، فما توجيهكم لهؤلاء الطلبة، وجزاكم الله خيرًا؟
فأجاب بقوله: أولا وقبل أن أذكر التوجيه لهؤلاء الطلبة أوجه الطلبة أن يتلقوا العلم عن عالم؛ لأن تلقي العلم عن العالم فيه فائدتان عظيمتان:
الأولى: أنه أقرب تناولا؛ لأن العالم عنده اطلاع وعنده معرفة ويعطيك العلم ناضجًا سهلا.
الثانية: أن الطلب على عالم يكون أقرب إلى الصواب بمعنى أن الذي يطلب العلم على غير عالم يكون له شطحات وآراء شاذة بعيدة عن الصواب؛ وذلك لأنه لم يقرأ على عالم راسخ في علمه حتى يربيه على طريقته التي يختارها.
فالذي أرى أن يحرص الإنسان على أن يكون له شيخ يلازمه لطلب العلم؛ لأنه إذا كان له شيخ فإنه سوف يوجهه التوجيه الذي يرى أنه مناسب له.
أما بالنسبة للجواب على سبيل العموم فإننا نقول:
أولا: الأولى أن يحفظ الإنسان كتاب الله تعالى قبل كل شيء؛ لأن هذا هو دأب الصحابة - رضي الله عنه - كانوا لا يتجاوزون عشر آيات حتى تعلموها وما فيها من العلم والعمل، وكلام الله أشرف الكلام على الإطلاق.
ثانيا: يأخذ من متون الأحاديث المختصرة ما يكون ذخرًا له في الاستدلال بالنسبة مثل: عمدة الأحكام، بلوغ المرام، الأربعين النووية وما أشبه ذلك.
ثالثا: يحفظ من متون الفقه ما يناسبه ومن أحسن المتون التي نعلمها "زاد المستقنع في اختصار المقنع" لأن هذا الكتاب قد خدم من قبل شارحه منصور بن يونس البهوتي ومن قبل من بعده من خدموا هذا الشرح والمتن بالحواشي الكثيرة.
رابعًا: النحو وما أدراك ما النحو الذي لا يعرفه من الطلبة إلا القليل حتى إنك لترى الرجل قد تخرج من الكلية وهو لا يعرف عن النحو شيئًا يتمثل بقول الشاعر:
لا بارك الله في النحو ولا أهله ... إذا كان منسوبا إلى نفطويه
أحرقه الله بنصف اسمه ... وجعل الباقي صراخًا عليه
لماذا قال الشاعر هذا الكلام؟
الجواب: لأنه عجز عن النحو، ولكن أقول: إن النحو بابه من حديد ودهاليزه قصب يعني أنه شديد وصعب عند أول الدخول فيه، ولكنه إذا انفتح الباب لطالبه سهل عليه الباقي بكل يسر وصار سهلا عليه، حتى إن بعض طلبة العلم الذين بدءوا في النحو صاروا يعشقونه فإذا خاطبتهم بخطاب عادي جعل يعربه ليتمرن على الإعراب، ومن أحسن متون النحو الآجرومية، كتاب مختصر مركز غاية التركيز ولهذا أنصح من يبدأ أن يبدأ به فهذه الأصول التي ينبغي أن يبني عليها طالب العلم.
خامسًا: أما ما يتعلق بعلم التوحيد فالكتب في هذا كثيرة منها: "كتاب التوحيد" لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - ومنها: "العقيدة الواسطية" لشيخ الإسلام ابن تيمية، وهي كثيرة معروفة ولله الحمد.
والنصيحة العامة لطالب العلم أن يكون عليه آثار علمه من تقوى الله - عز وجل والقيام بطاعته، وحسن الخلق، والإحسان إلى الخلق بالتعليم والتوجيه والحرص على نشر العلم بجميع الوسائل سواء كان ذلك عن طريق الصحف أو المجلات أو الكتب أو الرسائل أو النشرات وغير ذلك من الوسائل.
وأنصح طالب العلم أيضًا ألا يتسرع في الحكم على الشيء؛ لأن بعض طلبة العلم المبتدئين تجده يتسرع في الإفتاء وفي الأحكام وربما يخطِّىء العلماء الكبار وهو دونهم بكثير، حتى إن بعض الناس يقول: ناظرت شخصًا من طلبة العلم المبتدئين فقلت له: إن هذا قول الإمام أحمد بن حنبل. فقال: وما الإمام أحمد بن حنبل؛ الإمام أحمد بن حنبل رجل ونحن رجال، سبحان الله!! صحيح أن الإمام أحمد رجل وأنت رجل، فأنتما مستويان في الذكورة، أما في العلم فبينكما فرق عظيم، وليس كل رجل رجلا بالنسبة للعلم.
وأقول: إن على طالب العلم أن يكون متأدبًا بالتواضع وعدم الإعجاب بالنفس وأن يعرف قدر نفسه.
ومن المهم لطالب العلم المبتدئ: ألا يكون كثير المراجعة لأقوال العلماء؛ لأنك إذا أكثرت مراجعتك لأقوال العلماء وجعلت تطالع المغني في الفقه لابن قدامة، والمجموع للنووي والكتب الكبيرة التي تذكر الخلاف وتناقشه فإنك تضيع.
ابدأ أولا كما قلنا بالمتون المختصرة شيئًا حتى تصل إلى الغاية، وأما أن تريد أن تصعد الشجرة من فروعها فهذا خطأ.
 العلم(ص88-90)


الأربعاء، 28 مايو 2014

نعلم كثيرا ولكن لا نعمل إلا قليلا

قال العلامة العثيمين رحمه الله في كتاب العلم(ص85-87): أهم شيء أيضًا في منهج طالب العلم بعد النظر والقراءة، أن يكون فقيهًا، بمعنى أنه يعرف حكم الشريعة وآثارها ومغزاها وأن يطبق ما علمه منها تطبيقًا حقيقيًّا بقدر ما يستطيع {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] .
لكن يحرص على التطبيق بقدر ما يستطيع، وأنا أكرر عليكم دائمًا هذه النقطة "التطبيق" سواء في العبادات أو الأخلاق أو في المعاملات. طبِّق حتى يُعرف أنك طالب علم عامل بما علمت.
ونضرب مثلا إذا مَرّ أحدكم بأخيه هل يشرع له أن يسلم عليه؟
الجواب: نعم يشرع ولكن أرى الكثير يمر بإخوانه وكأنما مر بعمود لا يسلم عليه، وهذا خطأ عظيم حيث يمكن أن ننقد العامة إذا فعلوا مثل هذا الفعل، فكيف لا يُنتقد الطالب؟ وما الذي يضرك إذا قلت السلام عليكم؟ وكم يأتيك؟ عشر حسنات - تساوي الدنيا كلها عشر حسنات لو قيل للناس: كل من مر بأخيه وسلم عليه سيدفع له ريال، لوجدت الناس في الأسواق يدورون لكي يسلموا عليه؛ لأن سيحصل على ريال لكن عشر حسنات نفرط فيها. والله المستعان.
وفائدة أخرى: المحبة والألفة بين الناس، فالمحبة والألفة جاءت نصوص كثيرة بإثباتها وتمكينها وترسيخها، والنهي عما يضادها والمسائل التي تضادها كثيرة،كبيع المسلم على بيع أخيه، والخِطبة على خِطبة المسلم، وما أشبه ذلك، كل هذا دفع للعداوة والبغضاء وجلب للألفة والمحبة، وفيها أيضًا تحقيق الإيمان؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "والله لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا".
ومعلوم أن كل واحد منا يحب أن يصل إلى درجة يتحقق فيها الإيمان له؛ لأن أعمالنا البدنية قليلة وضعيفة.
الصلاة يمضي أكثرها ونحن ندبر شئونًا أخرى، الصيام كذلك، الصدقة الله أعلم بها، فأعمالنا وإن فعلناها فهي هزيلة نحتاج إلى تقوية الإيمان، السلام مما يقوي الإيمان؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا أفلا أخبركم بشيء إذ فعلتموه تحاببتم يعني حصل لكم الإيمان أفشوا السلام بينكم" .
هذه نقطة واحدة مما علمناه ولكننا أخللنا به كثيرًا؛ لذلك أقول: أسأل الله أن يعينني وإياكم على تطبيق ما علمنا؛ لأننا نعلم كثيرا ولكن لا نعمل إلا قليلا، فعليكم يا إخواني بالعلم وعليكم بالعمل وعليكم بالتطبيق، فالعلم حجة عليكم، العلم إذا غذيتموه بالعمل ازداد {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ} [محمد: 17] .
إذا غذيتموه بالعمل ازددتم نورًا وبرهانًا {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ} [الأنفال: 29] .
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الحديد: 28] .
والآيات في هذا المعنى كثيرة، فعليكم بالتطبيق في العبادات وفي الأخلاق وفي المعاملات حتى تكونوا طلاب علم حقيقة، أسأل الله أن يثبتنا وإياكم بالقول الثابت في الحياة الدنيا والآخرة إنه سميع مجيب، والحمد لله رب العالمين.



ملازمة عالم واحد مهمة جدًّا ما دام الطالب في أول الطريق لكي لا يتذبذب

سئل العلامة العثيمين رحمه الله: ذكر الخطيب البغدادي جانبًا من جوانب تعلم العلم وهو لزوم أحد العلماء أو أحد المشائخ فما رأي فضيلتكم؟
فأجاب بقوله: هذا جيد كون الإنسان يركز على شيخ من المشايخ يجعله هو الأصل لا سيما المبتدئ الصغير، المبتدئ الصغير إذا طلب العلم على عدة أناس تذبذب؛ لأن الناس ليسوا على رأي واحد خصوصًا في عصرنا الآن، كان فيما سبق أي قبل مدة كان الناس هنا في المملكة لا يخرجون أبدًا عن الإقناع والمنتهى؛ فتجد فتاواهم واحدة، وشروحهم واحدة، لا يختلف واحد عن الآخر إلا في الإلقاء وحسن الأسلوب، لكن الآن لما كان كل واحد حافظًا حديثًا أو حديثين قال: أنا الإمام المقتدى به والإمام أحمد رجل ونحن رجال، فصارت المسألة فوضى، صار كل إنسان يفتي أحيانًا تأتي الفتاوى تُبكي وتُضحك، وكنت أهم أن أدون مثل هذه الفتاوى لكن كنت أخشى أن أكون ممن تتبع عورات إخوانه فتركته تحاشيًا مني وإلا نقلنا أشياء بعيدة عن الصواب بُعد الثريا عن الثرى.
فأقول: ملازمة عالم واحد مهمة جدًّا ما دام الطالب في أول الطريق لكي لا يتذبذب، ولهذا كان مشايخنا ينهوننا عن مطالعة المغني وشرح المهذب والكتب التي فيها أقوال متعددة عندما كنا في زمن الطلبة، وذكر لنا بعض مشايخنا أن الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بابطين رحمه الله - وهو من أكبر مشايخ نجد مفتي الديار النجدية ذكروا أنه كان مُكبًا على الروض المربع لا يطالع إلا إياه ويكرره، كل ما خلص منه كرره لكن يأخذه بالمفهوم والمنطوق والإشارة والعبارة فحصل خيرا كثيرا.
أما إذا توسعت مدارك الإنسان فهذا ينبغي له أن ينظر أقوال العلماء يستفيد منها فائدة علمية وفائدة تطبيقية، لكن في أول الطلب أنا أنصح الطالب أن يركز على شيخ مُعين لا يتعداه.
 العلم(ص81-82)


ما نصيحة فضيلتكم لمن يجعل الولاء والبراء لإخوانه في موافقتهم له في مسألة أو عدم موافقتهم له، وكذلك ما يحصل من الحسد والبغض من طلاب العلم؟

سئل العلامة العثيمين رحمه الله: ما نصيحة فضيلتكم لمن يجعل الولاء والبراء لإخوانه في موافقتهم له في مسألة أو عدم موافقتهم له، وكذلك ما يحصل من الحسد والبغض من طلاب العلم؟
فأجاب بقوله: هذا صحيح، فإن بعض الناس يجعلون الولاء والبراء مقيد بالموافقة له أو عدم الموافقة، فتجد الشخص يتولى الشخص؛ لأنه وافقه فيها، يتبرأ منه لأنه خالفه فيها، وأذكر لكم قصة مرت علينا في منى بين طائفتين من الإفريقيين كل واحد يلعن الثاني ويكفره، فجيء بهم إلينا، وهم يتنازعون قلنا: ما الذي حدث؟ قال الأول: هذا الرجل إذا قام إلى الصلاة يضع يده اليمنى على اليسرى فوق الصدر وهذا كفر بالسنة، وقال الثاني: هذا إذا قام للصلاة يرسل يديه على الفخذين دون أن يجعل اليمنى على اليسرى وهذا كفر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من رغب عن سنتي فليس مني" .
وعلى هذا يكفر بعضهم بعضًا!! مع العلم أن هذه المسألة مسألة سنة، وليست واجبة ولا ركن ولا شرط للصحة وبعد جهد وعناء كبير اقتنعوا أمامنا والله أعلم بما وراءنا.
والآن تجد بعض الإخوان مع الأسف يرد على إخوانه أكثر مما يرد على الملحدين الذين كفرهم صريح، يعاديهم أكثر مما يعادي هؤلاء ويشهر بهم في كلام لا أصل له، ولا حقيقة له، لكن حسد وبغي، ولا شك أن الحسد من أخلاق اليهود أخبث عباد الله.
ثم إن الحسد لا يستفيد منه الحاسد إطلاقا، بل لا يزيده إلا غمًّا وحسرة، ابغ الخير للغير يحصل لك الخير، واعلم أن فضل الله يؤتيه من يشاء، لو حسدت فإنك لن تمنع فضل الله، ربما تمنع فضل الله عليك بمحبتك زوال فضل الله على غيرك وكراهتك نعمة الله على غيرك، لذلك الحاسد في ظروف طالب العلم مشكوك في نيته وإخلاصه في طلب العلم؛ لأنه إنما حسد لكون الثاني صار له جاه عند الناس وله كلمة والتف الناس حوله فحسده، لكونه يريد الدنيا، أما لو كان يريد الآخرة حقًّا، ويريد العلم حقًّا، لسأل عن هذا الرجل الذي التف الناس حوله وأخذوا بقوله. تسأل عن علمه لتكون مثله أيضًا؛ تجيء أنت لتستفيد منه؛ أما أن تحسده وتشوه سمعته، وتذكر فيه من العيوب ما ليس فيه فهذا لا شك أنه بغي وعدوان وخصلة ذميمة.
كتاب العلم(ص80-81)


بعض طلبة العلم يحرص على حضور دروس طلبة العلم دون أن يلقي اهتمامًا بدروس العلماء

سئل العلامة العثيمين رحمه الله: هناك بعض طلبة العلم يحرص على حضور دروس طلبة العلم دون أن يلقي اهتمامًا بدروس العلماء الذين جمعوا ما لم يجمعه طلبة العلم. فما توجيه فضيلتكم؟
فأجاب بقوله: الذي أراه أن الإنسان ينبغي أن يطلب العلم على عالم ناضج؛ لأن بعض طلبة العلم يتصدر للتدريس فيحقق المسألة من المسائل سواء حديثية أو فقهية أو عقائدية يحققها تمامًا ويراجع عليها، فإذا سمعه الناشيء من طلبة العلم ظن أنه من أكابر العلماء، لكن لو خرج قيد أنملة عن هذا الموضوع الذي حققه ونقحه وراجع عليه وجدت أنه ليس عنده علم، لذلك يجب على طالب العلم المبتدئ أن يتلقى العلم على يد العلماء الموثوق بعلمهم وأمانتهم ودينهم.
كتاب العلم (ص79)

ما الوسائل والطرق التي تدفع إلى علو الهمة والحرص على العلم؟

سئل العلامة العثيمين رحمه الله: فضيلة الشيخ يلاحظ ضعف الهمة والفتور في طلب العلم، فما الوسائل والطرق التي تدفع إلى علو الهمة والحرص على العلم؟
فأجاب بقوله: ضعف الهمم في طلب العلم الشرعي من المصائب الكبيرة وهناك أمور لا بد منها:
الأمر الأول: الإخلاص لله عز وجل في الطلب والإنسان إذا أخلص لله في الطلب وعرف أنه يُثاب على طلبه وسيكون في الدرجة الثالثة من درجات الأمة فإن همته تنشط {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} [النساء: 69] .
ثانيا: أن يُلازم زملاء يحثونه على العلم ويساعدونه على المناقشة والبحث ولا يمل من صحبتهم ما داموا يعينونه على العلم.
ثالثا: أن يصبر نفسه بمعنى يحبسها لو أرادت أن تتفلت، قال الله تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الكهف: 28] .
فليصبر؛ وإذا صبر وتعود الطلبة صار الطلب سجية له وصار اليوم الذي يفقد فيه الطلب يومًا طويلا عليه، أما إذا أعطى نفسه العنان فلا، فالنفس أمارة بالسوء والشيطان يحثه على الكسل وعدم التعلم.
كتاب العلم(ص80)


حسن الخلق لا شك أنه له تأثيرًا عظيما في استجابة الناس للداعي

حسن الخلق لا شك أنه له تأثيرًا عظيما في استجابة الناس للداعي. أما إذا رأوا الإنسان خشنًا فإنهم يسبونه ويذمونه على ما فيه من الأخلاق الشرعية، تجدهم مثلا يسبونه على لحيته، واللحية أخلاق شرعية، ويسبونه على تقصير الثوب، يسبونه على المشي حافيًا. لماذا؟ لأنه ليس حَسَن الأخلاق مع الناس. لا يدعو بالأخلاق إنما يدعو بالجفاء والغلظة، ويريد أن يصلح الناس كلهم في ساعة واحدة، هذا خطأ لا يمكن أن يصلح الناس في ساعة واحدة أبدًا. أليس النبي صلى الله عليه وسلم قد بقي في مكة ثلاث عشرة سنة يدعو الناس؟ وفي النهاية أُخرِجَ من مكة حين تآمروا عليه: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ} [الأنفال: 30] .
يثبتوك يعني يحبسوك أو يقتلوك أو يخرجوك {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [الأنفال: 30] . فلا يمكن أن تصلح الخلق بمجرد دعوة أو دعوتين لا سيما إذا لم تكن ذا قيمة بينهم لكن اصبر وأطل النَّفَس وادع بالحكمة وأحسن الخلق وسيتبين لك الأمر فيما بعد.
ولا شك أن حسن المنطق له تأثير عظيم بالغ. ويُحكى أن رجلا من أهل الحسبة مر على فلاح يسني إبله وكان في أذان المغرب. وكان هذا الفلاح يغني؛ لأن الإبل إذا سمعت الغناء تمشي كأنها مجنونة؛ لأنها تطرب فكان يغني غافلا ولا يسمع الأذان فتكلم عليه رجل الحسبة بكلام شديد. قال له - أي صاحب الإبل -: سوف أغني وأستمر في الغناء وإذا ما ذهبت فالعصا لمن عصا، - يقول هذا الكلام بسبب أنه جاءه بعنف - فذهب صاحب الحسبة إلى الشيخ القاضي وقال له: أنا ذهبت لفلان وسمعته يغني على إبله والمؤذن يؤذن المغرب ونصحته فلم يستجب.
فلما كان من الغد ذهب الشيخ القاضي إلى مكان صاحب الإبل في الوقت نفسه فلما أذن جاء الفلاح وقال له: يا أخي أذن المؤذن فعليك أن تذهب وتصلي فإن الله يقول: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} [طه:132] . فقال صاحب الإبل: جزاك الله خير، ووضع العصا التي يسوق بها الإبل وتوضأ ومشى معه، وماذا حصل؟ حصل المقصود، أما الأول لو تمادى معه لحصل الشر وترك الخير، ولكن الثاني أتاه بالتي هي أحسن فانقاد تمامًا، فلذلك أقول: إن بعض طلبة العلم يكون عندهم غيرة لكن لا يحسنون التصرف، والواجب أن الإنسان يكون في تصرفاته على علم وبصيرة وعلى قدر كبير من الحكمة.
 العلم للعثيمين(ص79)