الثلاثاء، 31 ديسمبر 2013

قد يقع من الأنبياء بعض الذنوب الصغار، والعِصمة إنما هي من الذنوب الكبائر، ومن الاستمرار على الصغائر

قال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله في شرحه لكتاب التوحيد(2/205-206): قد يقع من الأنبياء بعض الذنوب الصغار التي عاتبهم الله عليها، ثم يتوبون منها ويتوب عليهم، والعِصمة إنما هي من الذنوب الكبائر، ومن الاستمرار على الصغائر، كما ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية.

تعبيد الأسماء لغير الله شرك ينافي كمال التّوحيد، إنْ كان المقصود مجرّد التسمية، أما إنْ كان المقصود تعبيد التألُّه لغير الله فإنّه شرك أكبر ينافي التّوحيد

قال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله في شرحه لكتاب التوحيد(2/200-201): تعبيد الأسماء لغير الله شرك ينافي كمال التّوحيد، إنْ كان المقصود مجرّد التسمية، أما إنْ كان المقصود تعبيد التألُّه لغير الله فإنّه شرك أكبر ينافي التّوحيد. قال ابنُ حزم: "اتّفقوا على تحريم كلّ اسم مُعَبَّدِ لغير الله"، كـ (عبد الحُسين) ، و (عبد الرّسول) و (عبد الكعبة) ، و (عبد الحارث) وغير ذلك، لأنّ التعبيد يجب أن يكون لله سبحانه وتعالى، لأنّ الخلْق كلهم عبادُ الله كما قال تعالى: {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً (93) } ، فكلُّ الخلق عباد الله المؤمن والكافر.
ولكن العبودية على قسمين:
عبوديّة عامّة: وهذه تشمل جميع الخلق المؤمن والكافر كلُّهم عبادُ لله تعالى، بمعنى: أنّهم مملوكون لله، مخلوقون لله، يتصرّف فيهم، ويدبِّرُ أمورَهم، لا يخرُج عن هذا أحد من الخلق.
النوع الثاني: عبوديّة خاصّة: وهي عبوديّة التألُّه والمحبّة، وهذه خاصّة بالمؤمنين: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ} ، {يَا عِبَادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (68) } ، فهذه عبوديّة خاصّة بالمؤمنين.
وقال في ص206: تعبيد الأسماء لغير الله يُعتبر من الشرك الأصغر، وهو شرك الطّاعة، إذا لم يقصد به معنى العُبودية، فإنْ قصد به معنى العبوديّة والتألُّه صار من الشرك الأكبر، كما عليه عُبّاد القُبور الذين يسمّون أولادهم: (عبد الحسين) أو (عبد الرَّسول) أو غير ذلك، هؤلاء في الغالب يقصدون التألُّه، لا يقصدون مجرّد التّسمية وإنما يقصدون التألُّه بذلك والتعبُّد لهذه الأشياء لأنهم يعبدونها، فهذا يعتبر من الشرك الأكبر.



ابن حزْم إمام جليل إلاّ أنه قد زلت قدمه في العقيدة وخالف جمهور أهل العلم في مسائل كثيرة أخطأ فيها الصواب رحمه الله، فَلاَ نغلو فيه، ولا نجفو عنه

 أقوال بعض أهل العلم في ابن حزم رحمه الله
قال العلامة صالح الفوزان حفظه الله في إعانة المستفيد(2/201-202): ابن حزْم، هو الإمام الجليل، أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حَزْم، الأندلسي، القُرطبيّ، الظاهريّ، له المؤلَّفات العظيمة مثل"المحلّى" و"الفِصَل في الملل والنِّحل"، و"الأنساب"، و"جوامع السيرة"، فهو إمامٌ جليل خصوصاً في علم الحديث، إلاّ أنه رحمه الله يؤخذ عليه سلاطة اللسان في ردّه على المخالفين، واعتناقه لمذهب الظاهرية، والظاهرية معناها: الأخذ بظواهر النُّصوص دون النظر في معانيها وأسرارها، وعدم القول بالقياس، وهذا نقصٌ في هذا المذهب.
ولكن على كلّ حال هو إمامٌ جليل، له نفعٌ عظيم في الإسلام، ومؤلَّفاتُه خصوصاً "المحلّى" وما فيه من الآثار والأحاديث والرواية بالأسانيد، ففضائلُه كثيرة رحمه الله.

وسئل العلامة مقبل الوادعي رحمه الله كما في تحفة المجيب عن أسئلة الحاضر والغريب : ما هي عقيدة ابن حزم رحمه الله؟
فأجاب:  ابن حزم -رحمه الله تعالى- في بعض كتبه كـ«المحلى» و «الإحكام في أصول الأحكام» خدم الدين خدمة عجيبة وإن كان في أوائل «المحلى» بما يتعلق بالعقيدة زلت قدمه وسنتكلم عليها فيما بعد، فهو خدم الدين خدمة عجيبة ووقف في وجوه المبتدعة المقلدين، وكان أكثر تحامله على الحنفية باعتبار بعدهم عن السنة، وعلى المالكية لأنه عاش بينهم حتى إنهم سلطوا الحكام وأحرقوا كتبه فقال -رحمه الله-:
فإن تحرقوا القرطاس لا تحرقوا الذي تضمنه القرطاس بل هو في صدري
يسير معي حيث استقلت ركائبي وينزل إذ أنزل ويدفن في قبري
دعونا من إحراق رق وكاغد وقولوا بعلم كي يرى الناس من يدري
وإلا فعودوا في المكاتب بدأة فكم دون ما تهوون لله من عذر
وربما أغلظ القول على المبتدعة والناس ليسوا آلفين لهذا، وربما جمد على الظاهر وهذا الجمود يعتبر خطأ؛ فنحن مخاطبون بالظاهر ومن أخذ بالظاهر استراح من اختلاف الناس، لكن إذا جاء دليل يوجب تأويل الظاهر فيؤول.أما في العقيدة فزلت قدمه وأكثر ما ذكر هذا في كتابه «الفصل في الملل والنحل».
 قال الحافظ ابن كثير -رحمه الله تعالى- في ترجمته من «البداية والنهاية»: وإن هذا لعجب إذ هو جامد في العبادات والمعاملات، ومؤول في العقيدة. ففيه شيء من التجهم -رحمه الله- لا يجوز أن يتبع عليه.أما العالم البصير فهو يستفيد أيما استفادة من كتابه «المحلى» حتى قال ابن عبدالسلام: ما أمنت على نفسي في الفتوى حتى قرأت «المحلى» لابن حزم و«المغني» لابن قدامة.

ومما جاء في إجابة سؤال وجه للجنة الدائمة:
...المؤلف أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي ، المتوفى عام 456 هـ، والمذكور من العلماء المبرزين في الأصول، والفروع، وفي علم الكتاب والسنة، إلا أنه خالف جمهور أهل العلم في مسائل كثيرة أخطأ فيها الصواب؛ لجموده على الظاهر، وعدم قوله بالقياس الجلي المستوفي للشروط المعتبرة، وخطأه في العقيدة بتأويل نصوص الأسماء والصفات أشد وأعظم.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو // عضو // نائب رئيس اللجنة // الرئيس //عبد الله بن قعود // عبد الله بن غديان // عبد الرزاق عفيفي // عبد العزيز بن عبد الله بن باز

مجموع فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء- (الجزء رقم : 12، الصفحة رقم: 223)



قال الذهبي رحمه الله في ترجمته...وَفِي الجُمْلَةِ فَالكَمَالُ عزِيز، وَكُلُّ أَحَد يُؤْخَذ مِنْ قَوْله وَيُتْرَك، إِلاَّ رَسُوْل اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وَكَانَ يَنهض بعلُوْمٍ جَمَّة، وَيُجيد النَّقل، وَيُحْسِنُ النّظم وَالنثر.
وَفِيْهِ دِينٌ وَخير، وَمقَاصدُهُ جمِيْلَة، وَمُصَنّفَاتُهُ مُفِيدَة، وَقَدْ زهد فِي الرِّئَاسَة، وَلَزِمَ مَنْزِله مُكِبّاً عَلَى العِلْم، فَلاَ نغلو فِيْهِ، وَلاَ نَجْفو عَنْهُ، وَقَدْ أَثْنَى عَلَيْهِ قَبْلنَا الكِبَارُ.(سير أعلام النبلاء18/187)

إنّ من شكر نعمة المال: إخراج الحقوق الواجبة فيه وإن البُخْل بحقوق المال من كفر النعمة

قال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله في شرحه لكتاب التوحيد(2/199): إنّ من شكر نعمة المالإخراج الحقوق الواجبة فيه من زكاة وإطعام جائع وكسوة عارٍ، وما أشبه ذلك من الحقوق الواجبة والحقوق المستحبّة، وإنّ البُخْل بحقوق المال من كفر النعمة.

نسبة النعم إلى الله عزّ وجلّ توحيد، ونسبتها إلى غيرِه شرك

قال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله في شرحه لكتاب التوحيد(2/199): إن نسبة النعم إلى الله عزّ وجلّ توحيد، ونسبتها إلى غيرِه شرك، لكن إن اعتقد أنّ غيرَه هو الذي أوجدَها فهو شركٌ أكبر، وإن اعتقد أنّ غيرَه سبب والله هو الذي أوجدها، ولكن نسبها إلى السبب فهو شركٌ أصغر، لأنّه لا يجوز النِّسبة إلى الأسباب، حتى ولو كانت أسباباً صحيحة، وإنّما تُضاف النّعم إلى الله سبحانه وتعالى.

شاهد بالصور والفيديو جرائم الشيعة الروافض في بيتٍ من بيوت الله -تبارك وتعالى- وهو مسجد دار الحديث بكتاف، يفجرون ويصيحون الله أكبر!...النصر للإسلام !!! ألا لعنة الله على القوم الكافرين


بسم الله الرحمن الرحيم
ضمن جرائم الشّرذمة الحوثية المسماه كذبا وزورا بـــ (المسيرة القرآنية) ما قاموا به في هذه الأيام من تدمير مسجد مركز دار الحديث بكتاف -وائلة- بعد أن انحاز منه قبائل حلف النصرة؛ فقام الحوثيون بتفجيرة في منظر بشع ينافي كل قيم ديننا الإسلامي الحنيف وهدي القرآن العظيم الذي يزعمون أنهم يسيرون عليه!فهل من هدي القرآن هدم بيوت الله التي يعبد فيها جل وعلا ؟ وتقام فيه شعائر الدين الإسلامي ؟!!والله سبحانه وتعالى يقول في كتابه الكريم: ((إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ))[التوبة: 18]والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «مَنْ بَنَى لِلَّهِ بَيْتًا بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ».فأين الحوثيون الرافضة من هذه الآية الكريمة ؟ وهذا الحديث الشريف ؟؟ 
رب العالمين جل في علاه يُرغبنا في إعمار بيوته سبحانه وتعالى ويحثنا على ذلك، وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم يحث ويرغب على ذلك؛ والحوثيون يحاربون كل هذا علنا أمام العالمين، مجاهرين بهذا الذنب العظيم ويقومون بهدم بيوت الله وتسويتها بالأرض
!!وليست هذه الأولى من نوعهافقد سبق أن خرّبوا وأفسدوا في بيت من بيوت الله قبل فترة قصيرة من الزمن وذلك في منطقة عاهم، ونهبوا بعض أوقافه، ومزقوا ما فيه من مصاحف، وداسوها بأقدامهم، عياذًا بالله منهم ومن أفعالهم الشنيعة.وكذلك مسجد دار الحديث بدماج، عاثوا فيها فسادًا وخرابًا وقصفًا بالدبابات والصواريخ، حتى قتلوا وجرحوا العشرات من المصلين والعباد، وأُحرقت الكثير المصاحف وكتب حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى.

وإليكم بعض الصور لما فعلوه هذه الأيام في مسجد مركز دار الحديث بكتاف
-وائلة-صورة للمسجد قبل الجريمة الحوثية









صورة للمسجد بعد الجريمة الحوثية




من هنا(اضغط بيمين الفأرة ثم حفظ باسم)

منقول

فوائد عظيمة مستخلصة من قصة الرجل الذي قال في غزوة تبوك: ما رأينا مثل قُرَّائنا هؤلاء؛ أرْغَبَ بطوناً، ولا أكذبَ ألسناً، ولا أجْبَنَ عند اللَّقاء

قال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله في شرحه لكتاب التوحيد(2/190-192) وعند شرحه على حديث ابن عمر ومحمد بن كعب وزيد بن أسلم وقتادة - دخل حديثُ بعضهم في بعض-: أنه قال رجلٌ في غزوة تبوك: ما رأينا مثل قُرَّائنا هؤلاء؛ أرْغَبَ بطوناً، ولا أكذبَ ألسناً، ولا أجْبَنَ عند اللَّقاء "يعني: رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابَهُ القُرّاء".فقال عوفُ بن مالك: كذبتَ، ولكنّك منافق، لأُخبرنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فذهب عوفُ إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليُخبره، فوجد القرآن قد سبقه....الحديث":
هذه القصّة فيها فوائد عظيمة:
الفائدة الأولى: أن من استهزأ بالله أو برسوله أو بالقرآن أو استهان بشيء من ذلك؛ أنّه يرتدّ عن دين الإسلام رِدّة تنافي التّوحيد وتُخرج من دين الإسلام، لأن هؤلاء كانوا مؤمنين، فارتدّوا عن دينهم بهذه المقالة، بدليل قوله تعالى: {قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} .
الفائدة الثانية: أن نواقض الإسلام لا يُعفى فيها عن اللّعب والمزح، سواءً كان جادّاً أو هازلاً، بل يُحكم عليه بالردّة والخُروج من دين الإسلام، لأنّ هؤلاء زعموا أنّهم يمزحون ولم يقبل الله جل وعلا عذرهم، لأنّ هذا ليس موضع لعب ولا موضع مزح.
الفائدة الثالثة: وُجوب إنكار المنكر، لأنّ عوف بن مالك رضي الله عنه أنكر ذلك وأقرّه الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على ذلك.
الفائدة الرابعة: أنّ مَن لم يُنكر الكفر والشرك فإنّه يكون كافراً، لأنّ الذي تكلّم في هذا المجلس واحد والله نسب هذا إلى المجموع فقال{أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} ، لأنّ الراضيَ كالفاعل، وهذه خطورة عظيمة.
الفائدة الخامسة: أنّ إبلاغ وليّ الأمر عن مقالات المفسدين من المنافقين ودُعاة السوء الذين يريدون تفريق الكلمة والتحريش بين المسلمين من أجل الحَزْم يُعَدُّ من النصيحة الواجبة، وليس هو من النّميمة، لأنّ عوف بن مالك رضي الله عنه فعل ذلك ولم يُنكر عليه الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فدلّ على أنّ هذا من النّصيحة، وليس من النّميمة المذمومة.
الفائدة السادسة: فيه احترام أهلِ العلم وعدم السخرية منهم، أو الاستهزاء بهم، لأنّ هذا المنافق قال: "ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء" يريد بذلك العلماء، والعلماء وَرَثَةُ الأنبياء، وهم قُدوة الأُمَّة، فإذا طعنَّا في العلماء فإنَّ هذا يُحْدِثُ الخَلْخَلَةَ في المجتمع الإسلاميّ، ويقلِّل من قيمة العلماء، ويُحْدِث التشكيك فيهم.
نسمع ونقرأ من بعض دُعاة السوء من يقول: "هؤلاء علماء حيض، علماء نفاس، هؤلاء عُمَلاء للسلاطين، هؤلاء علماء بغْلَة السلطان"، وما أشبه ذلك، وهذا القول من هذا الباب- والعياذُ بالله- وليس للعلماء ذنب عند هذا الفاسق إلاّ أنهم لا يوافقونه على منهجه المنحرف.
فالوقيعة بالمسلمين عُموماً ولو كانوا من العوامّ لا تجوز، لأنّ المسلم له حُرمَة، فكيف بوُلاة أُمور المسلمين وعلماء المسلمين.
فالواجب الحذر من هذه الأمور، وحفظ اللّسان، والسّعي في الإصلاح، ونصيحة مَن يفعل هذا الشيء.
الفائدة السابعة: في الحديث دليلٌ على معجزة من معجزات الرّسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ حيث إنّه بلغه الوحي عن القصّة قبل أن يأتيَ إليه عَوفُ بن مالك، وهذا مصداق قوله تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4) } .
الفائدة الثامنة: في الحديث دليلٍ على أنّ نواقِض الإسلام لا يُعذَر فيها بالمزح
واللّعب، لأنها ليست مجالاً لذلك، وإنّما يُعذر فيها المُكْره على القول خاصة كما في آية النحل: {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ} .

الفائدة التاسعة: في الحديث دليلٌ على وُجوب الغِلْظة على أعداء الله ورسوله من المنافقين والكُفّار ودُعاة الضّلال، وأنّ الإنسان لا يَلِين لهم، لأنّه إنْ لان معهم خدعوه ونفّذوا شرّهم، فلا بُدّ من الحَزْم من وليّ الأمر ومن العالِم نحو المنافقين والكُفّار ودُعاة السوء.

الاثنين، 30 ديسمبر 2013

أسماء الله تعالى لا يجوز أن تُمْتَهَن وأن تُبْتَذَل، أو توضَع في أشياء تُستعمَل وتُهان ومَن وجد شيئاً من ذلك وجب عليه رفعُه أو إتلافه، أو إزالة اسم الله تعالى منه

قال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله في شرحه لكتاب التوحيد(2/183): أسماء الله لا يعلمها إلاّ هو سبحانه وتعالى، وكلّها حسنى.
وتعدُّد الأسماء يدلّ على عظم المسمّى، فهي أسماءٌ عظيمة، يجب على العباد احترامُها، وإجلالُها، ودُعاء الله تعالى بها، والتوسّل إليه تعالى بأسمائه وصفاته، فيقول في الدّعاء: "يا رحمن يا رحيم، يا حيّ يا قيّوم، يا ذا الجلال والإكرام"، لأنّ ذلك من أسباب الإجابة، فدلّ على عظمها.

فلا يجوز أن تُمْتَهَن وأن تُبْتَذَل، أو توضَع في أشياء تُستعمَل وتُهان، كأن تُكتب على أشياء تُداس بالأقدام، أو تقع في الشّوارع والقاذورات، ومَن وجد شيئاً من ذلك وجب عليه رفعُه أو إتلافه، أو إزالة اسم الله تعالى منه، فهذا من احترام أسماء الله سبحانه وتعالى.

كلّ اسم فيه تعظيمٌ شديد للمخلوق هو محرَّم ومنهيٌّ عنه لأنه يُخلُّ بعقيدة التّوحيد، مثل: "ملِك الأملاك" و"سيِّد السادات" و"قاضي القُضاة" و"شاهان شاه"

قال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله في شرحه لكتاب التوحيد(2/180-182): كلّ اسم فيه تعظيمٌ شديد للمخلوق من الألقاب والأسماء التي فيها التعظيم الذي لا يليق إلاّ بالله سبحانه وتعالى، مثل: "ملِك الأملاكو"سيِّد السادات"، وما أشبه ذلك من الألقاب الضّخمة التي يتلقّب أو يتسمّى بها بعض الجبابرة أو المستكبرين، كلُّ هذا محرَّم ومنهيٌّ عنه، لأنّ المطلوب من المخلوق التواضُع مع الله سبحانه وتعالى، وتجنُّب ما فيه تزكيةٌ للنفس  أو تعظيمٌ للنفس، لأنّ هذا يحمل على الكِبْر والإعجاب، وخروج الإنسان عن طَوره ووضعه الصحيح.
وكلُّ هذا يُخلُّ بعقيدة التّوحيد، لأنّ عقيدة التّوحيد تدور على توحيد الله سبحانه وتعالى، وعلى تنزيه الله عن المشابَهة والمماثَلة، فمن تسمّى باسم لا يليق إلاّ بالله على وجه التعاظُم فهذا فيه تشبيه بأسماء الله سبحانه وتعالى.
فمثلاً: (قاضي القُضاةهذا لا يليق إلاّ لله عزّ وجلّ، لأنّ الله سبحانه وتعالى الذي يقضي النّاس يوم القيامة القضاء النهائي، يقضي بين جميع الخلْق، ملوكهم وعامّتهم وعلمائهم وعوامّهم، يقضي بين جميع خلقه سبحانه وتعالى، فالقضاء المطلَق هو لله سبحانه وتعالى، فلا يليق أن يقال للمخلوق: "قاضي القُضاة"، لأنّ الله هو الذي يقضي بين جميع النّاس يوم القيامة، يقضي بينهم بحكمه: {إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ، فهو الذي يقضي بين النّاس سبحانه وتعالى.
أما القاضي من النّاس فإنه يقضي بين فئاتٍ قليلة من النّاس، لا يقضي بين كلّ النّاس، وإنما يقضي بين عدد قليل محصور، إما في بلد وإما في قضيّة خاصّة، ثم قضاؤهأيضاًقد يكون صواباً وقد يكون خطئاً، أما قضاء الله جل وعلا فإنّه لا يكون إلاّ حقًّا وصواباً، ولا يتطرّق إليه الخطأ والنقص جل وعلا.
ففي هذه الكلمة "قاضي القُضاةتعظيم زائد، ومنحٌ للمخلوق لصفةٍ لا يستحقُّها ومرتبة لا يرقى إليها.
فالمناسب أن يُقال: "رئيس القُضاة"، بمعنىأنه يُرجع إليه في أُمور القضاء وتنظيماته ومُجرياته.
وكذلك: "ملِك الأملاك"، لأن المُلك المطلق لله عزّ وجلّ، وهو المُلْك الدائم الشامل، أما ملك المخلوق فهو مُلك جزئي ومؤقت.
وكذلك ملك المخلوق مِنْحَة من الله سبحانه وتعالى، وعاريّة، لم يملك هذا المُلك بحوله ولا قوّته، وإنّما الله هو الذي ملّكه: {قُلِ اللهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (26) } ، فالذي يملِّك الملوك هو الله سبحانه وتعالى، هو الذي يعطي الملك لمن يشاء، وينزع الملك ممّن يشاء، أمّا ملك الله جل وعلا فإنّه مُلكٌ حقيقيٌّ عام دائم.
وقال: قال سُفيان بن عُيينة: "مثلشاهان شاهيعنيعند العجم، فمعنى هذا اللقب عندهم: "ملك الملوك".
ومقصود سفيان رحمه الله بهذا أن يبيِّن أنّ هذا اللّقب ممنوعٌ في جميع اللّغات، سواء بالعربيّة أو بالأعجميّة، سواء سُمّي "ملك المُلوكأو "شاهان شاه"، فالمعنى واحد، وكذلك "قاضي القُضاةأو ما أشبه ذلك، فهذا منهيٌّ عنه في جميع اللُّغات.

وقال في ص184: أما الأسماء التي يُسمّى بها المخلوق ويسمّى بها الخالق مثل: الملِك، والعزيز، وأشباه ذلك؛ فهذه ليست من هذا الباب، فالله له أسماء تختصّ به، والمخلوق له أسماء تختصّ به، فالله سمّى نفسه: (الرؤوف، الرحيم) ، وقال عن نبيّه بأنّه: {بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} ، وسمّى نفسه بالعليم، ووصف وسمّى عبده {بِغُلامٍ عَلِيمٍ} وسمّى نفسه بالحليم، وسمّى عبده: {بِغُلامٍ حَلِيمٍ} ، فهذه أشياء مشتركة يجوز أن يسمّى بها المخلوق، ولكن يُعلم أنّها ليست كأسماء الله سبحانه وتعالى.

من سب الدهر فقد آذى الله. وليس الدهر من أسماء الله ومن زعم ذلك فقد غلط

قال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله في شرحه لكتاب التوحيد(2/178) وعند شرحه على حديث أبي هريرة -في الصحيح- عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "قال الله تعالى: يؤذيني ابن آدم؛ يسبب الدهر، وأنا الدهر، أقلب الليل والنهار".
وفي رواية: "لا تسبوا الدهر؛ فإن الله هو الدهر": يقول جل وعلا: "يؤذيني ابن آدم" الله يتأذّى ببعض أفعال عباده، لكنّه لا يتضرّر بها.
ثم فسّر ذلك الأذى بقوله: "يسبُّ الدّهر" والدهر ليس محلاًّ للسّب، فيكون محلّ السب هو الله سبحانه وتعالى، لأنّه هو الذي خلق أو أوجد هذا الأمر الذي يكرهه هذا الإنسان، فإذا سبّ الدهر فقد سبّ الفاعل وهو الله سبحانه وتعالى، والواجب على أهل الإيمان أنه إذا أصابهم ما يكرهون أن يعتبروا أن هذا قضاء من الله وقدر، وأنّه من الله جل وعلا، وأنّه لم يخلُقه عبثاً، وأنّه بسبب الذّنوب والمعاصي، فيتوب المؤمن، ويصبر على المصيبة، ويحتسب الأجر عند الله سبحانه وتعالى، ولا يُطلق لسانه بذمّ الساعة واليوم والوقت الذي حصل فيه هذا المكروه، وإنما يحمد الله ويشكره ويرضى بقضائه وقدَره، ويعلم أنّه ما أُصيب إلاّ بسبب ذُنوبه، فيحاسب نفسه ويتوب إلى الله تعالى.
ثم بيَّن معنى قوله: "أنا الدهر" فقال: "أقلّب الليل والنهار"، وليس معناه: أن الله يُسمّى الدهر، فليس الدّهر من أسماء الله، والحديث يفسِّر بعضه بعضاً، فمن زعم أن (الدهر) من أسماء الله فقد غلِط.
"وفي رواية: " لا تسبُّوا الدهر" هذا نهي، والنّهي يقتضي التحريم.
ثم علّل ذلك بقوله: "فإنّ الله هو الدهر" يعني: مَن سبّ الدهرَ فقد سبّ الله، لأنّ الله هو الخالق سبحانه وتعالى، وهو الذي أجرى هذا الحادث الذي يكرهه العبد ويتألّم منه، فإذا سبّ الدهر فقد سبّ الفاعل وهو الله سبحانه وتعالى.
ومسبّة الدهر على نوعين:
النوع الأوّل: ما يكون كفراً وشركاً أكبر، وذلك إذا اعتقد أنّ الدهر هو الفاعل، وهو الذي أحدث المصيبة، فذمّه من أجل ذلك، فهذا شركٌ أكبر، لأنّه أثبت شريكاً لله تعالى.
النّوع الثاني: أن يعتقد أنّ الفاعل هو الله ولكنّه ينسِب الأذى إلى الدهر، أو ينسب الذمّ إلى الدهر من باب التساهُل في اللّفظ: فهذا أيضاً محرّم، ويُعتبر من الشّرك الأصغر، حتى ولو لم يقصد المعنى وإنما جرى على لسانه، فيُعتبر من الشرك في الألفاظ.


الذين يُنكرون البعث ويستبعدونه، ويزعمون أنّه لا يمكن حصول البعث لأنّ الأجسام تتفتّت وتضيع وتذهب أين عقولهم؟! فالذي خلقهم من لا شيء، وأوجدهم من العَدَم في أوّل مرّة؛ ألا يقدر على إعادتهم مرّة ثانية؟

قال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله في شرحه لكتاب التوحيد وعند شرحه على باب من سب الدهر فقد آذى الله(2/175): وقول الله تعالى: {وَقَالُوا مَا هِيَ إلاّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إلاّ الدَّهْرُ} الآية:
  ذكر الله سبحانه وتعالى في هذه الآية عن المشركين، الذين بُعث إليهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنّهم يُنكرون البعث ويستبعدونه، ويزعمون أنّه لا يمكن حصول البعث لأنّ الأجسام تتفتّت وتضيع وتذهب، فمن أين الإعادة لشيء قد ضاع وتفتّت وذهب: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (79) } ، {وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَاماً وَرُفَاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً (49) قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيداً (50) أَوْ خَلْقاً مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً (51) } ، {أَإِذَا كُنَّا عِظَاماً نَخِرَةً (11) قَالُوا تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ (12) } ، {أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (16) أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ (17) } ، {أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ (3) قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ (4) } ، فيا سبحان الله أين العُقول؟!، فالذي خلقهم من لا شيء، وأوجدهم من العَدَم في أوّل مرّة؛ ألا يقدر على إعادتهم مرّة ثانية؟، بل من ناحية العُقول: أنّ الإعادة أسهل من البداءة: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (27) } ، مع أن الله لا يصعُب عليه شيء سبحانه وتعالى، لا الإعادة ولا البداءة، الكلّ سهلٌ عليه ويسيرٌ عليه لكن هذا من جهة التصور العقلي.
ثم- أيضاً-: لو لم يكن بعثٌ ونُشور للزِم أن يكون خلق الخلق عبثاً لا نتيجة له، وهذه الأعمال لا نتيجة لها: الإيمان والطاعة والاستقامة والعبادة لا نتيجة لها إذا لم يكن هُناك بعث، الكفر والمعاصي والإلحاد والفُسوق والظُّلم والعُدوان لا نتيجة له، لأنّنا نرى أنّ النّاس يموتون الطائع والعاصي المؤمن والكافر، الكافر يموت على كفره، والمطيع يموت على طاعته، وقد يكون المطيع في هذه الدنيا في فقر وحاجة ومرض وآلام، وقد يكون الكافر في نعيم وفي رفاهية وفي أُبَّهة من العيش مع كفره، إذاً: أين النتيجة؟، لا بدّ أن هناك داراً أُخرى تظهر فيها النتائج، تظهر فيها نتيجة الطّاعة، ونتيجة المعصية، وإلاّ للزِم أن يكون خَلْقُ الخلْق عبثاً، كما قال تعالى: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ (115) } ، وقال تعالى: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (21) وَخَلَقَ اللهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (22) } ، وقال سبحانه وتعالى: {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (36) } ، وقال سبحانه وتعالى: {أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ (28) } ؟ ‍، هذا تأباه حكمة الله سبحانه وتعالى، فكون المطيع الصالح العابد يعيش في هذه الدنيا في ضيق ومرض وفقر وفاقة؛ لأنّ الله ادّخر له جزاءً يوم القيامة، وكون العاصي والكافر يعيش في سُرور وفي رغَدٍ من العيش مع كفره؛ هذا لأنّ الله أعدّ له النّار يوم القيامة؛ {قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ} ، {وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ} ، تأبى حكمة الله سبحانه وتعالى أن يُضيع أعمال العباد سُدى، وأن يسوِّي بين المؤمن والكافر والمطيع والعاصي، تأبى حكمة أحكم الحاكمين أن تتّصف بذلك، فلولا أنّ هناك بعثاً يحاسَب فيه العباد ويجزى كلُّ عامل بعمله للزم العبث وللزم الجور والظُّلم من الله، تعالى الله عن ذلك، دلّ هذا على أن هناك داراً أُخرى غير هذه الدّار، أخبر الله عنها، وتواترت بها أخبارُ الرُّسل- عليهم الصلاة والسّلام-، لكنّ المشركين الذين بُعث إليهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يستبعدون البعث لجهلهم بقدرة الله سبحانه وتعالى، ويقيسون قدرة الخالق على قدرتهم، ولهذا استصعبوا البعث، ورأوه مستحيلاً؛ أن يبعث الله هذه الأجسام بعد تفتُّتها وضياعها في الأرض، ولكنّ الله سبحانه وتعالى يعلم مستقرّها ومستودَعها ويعلم مصيرها، ولو فنَيتْ وصارت تُراباً فالله يعلم هذه الأجسام وما تحلّل منها وقادرٌ على إعادتها: {قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ (4) } ، بل إنّ كل جسم الإنسان يفنى إلاَّ عَجْبَ الذَّنب، وهو: حبّة صغيرة، منها يركَّبُ خلقُ الإنسان يوم القيامة.
فهم ينكرون البعث والنشور ويقولون: {مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا} ما هناك حياةٌ أُخرى بعد هذه الحياة، ما هناك إلاّ الحياة التي نحن فيها.
{نَمُوتُ وَنَحْيَا} يعني: يموت ناس ويولَد ناس، كما يقولون: أرحام تدفع، وأرض تبلع.
{وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ} أي: أنّ سبب الموت إنما هو طول العمر طول الحياة، الإنسان يعمّر ثم يَهْرَم ثم يموت، أو سبب الموت هو: حوادث الدهر، فينسبون الهلاك إلى الدهر.
إذا أصابهم قحط أو انحباس مطر نسبوه إلى الدّهر، وإذا أصابتهم مجاعة أو أصابهم قتلٌ أو مرض نسبوه إلى الدهر، ويزعمون أنّ هذا من تصرُّف الدهر، ولذلك يهجون الدهر في إشعارهم.
وهذا في الحقيقة إنّما هو ذمٌّ لله سبحانه وتعالى، لأنّ الدهر ليس في مقدوره شيء، فليس هو الذي يصدرُ هذه المجريات، وإنما هي صادرة عن الله سبحانه وتعالى، فمن ذَمّ الدهر فقد ذمّ الله سبحانه.
قال الله تعالى: {وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ} الواجب أن الإنسان إذا ادّعى دعوى أن يقيم عليها الدليل، وما عندهم دليل، ولهذا قال: {وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ} يعني: ما لهم دليل على هذا، بل الدليل على العكس، على أن الدهر ليس له تصرُّف وإنّما التصرُّف هو للخالق سبحانه وتعالى.
ثم قال: {إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ} يعتمدون على الظّن، والظن {لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً} .
هذا هو المنطق الصحيح في لسان المناظرات، أما مجرّد الوهم ومجرّد الظنّ، فلا يُبنى عليه مثل هذا الأمر العظيم، وهو إنكار البعث.