قال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله في شرحه لكتاب التوحيد(2/118-120): مدلول
الشّهادتين:
أن
نتحاكَم إلى كتاب الله وإلى سنّة رسول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
في جميع أُمورنا، ليس المُراد:
التحاكُم
في المنازعات فقط، بل التحاكُم في المقالات
والاجتهادات الفقهيّة أيضاً، فلا بدّ أن
نحكِّم كتاب الله وسنّة رسول الله صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في أقوال
المجتهدين، ونأخذ منها ما دلّ عليه الدليل،
ونترك ما لم يدل عليه دليل، ولا نتعصّب لرأي
فلان أو للإمام فُلان، فمن تعصّب لم يكن
متحاكماً إلى ما أنزل الله وإلى الرّسول،
وإنما تحاكم إلى هذا الشخص الذي تعصّب له
وجَمَد على رأيه مع مخالفته، وهو اجتهاد
اجتهد فيه، لكن إذا خالف الدليل فلا يجوز
لنا أن نتعصّب لرأي إمام أو لرأي عالم أو
لرأي مفت من المفتين، ونحنُ نعلم أنّه
مخالِفٌ للدّليل، لكن ذلك العالم معذور
لأنّه مجتهِد، ولكنّه لم يصادف الدّليل،
فهو معذور له أجرٌ على ذلك، لأنّ هذا منتهى
اجتهادِه، أما مَن تبيّن له أن هذا الاجتهاد
غير مطابِق للدّليل فلا يسعه أن يأخذ بهذا
الاجتهاد، ولا يجوز له.
والأئمّة
ينهون عن ذلك، ينهوننا أن نأخُذ بآرائهم
دون نظرٍ إلى مستندها من كتاب الله وسنّة
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، وإلاّ كنا-
كما
سبق في الباب الذي قبل هذا-
أطعنا
العلماء والأمراء في تحريم ما أحلّ الله
وتحليل ما حرّم الله.
وكذلك
التحاكُم في المناهِج التي يسمّونها
الآن:
مناهج
الدّعوة، ومناهج الجماعات هي من هذا
الباب، يجب أن نحكِّم فيها كتاب الله
وسنّة رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فما كان منها متمشِّياً مع
الكتاب والسنّة فهو منهجٌ صحيح يجب السّير
عليه، وما كان مخالِفاً لكتاب الله وسنّة
رسوله يجب أن نرفُضه وأن نبتعد عنه.
ولا
نتعصّب لجماعة أو لحزب أو لمنهج دَعَوِيّ
ونحنُ نرى أنه مخالِف لكتاب الله وسنّة
رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فالدعاة منهم من هو داعية ضلال.
فالذي
يَقْصُر هذا التحاكُم إلى الكتاب والسنّة
على المحاكم الشرعيّة فقط غَالِط، لأن
المراد:
التحاكُم
في جميع الأمور وجميع المنازَعات:
في
الخُصومات وفي الحُقوق المالية، وغيرها،
وفي أقوال المجتهدين، وأقوال الفقهاء،
وفي المناهج الدّعويّة، والمناهج
الجماعيّة، لأن الله تعالى يقول:
{وَمَا
اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ}
و
{شَيْءٍ}
نكِرة
في سياق الشرط، فتعمّ كل نزاع وكل خِلاف
في شيء، سواءً في الخُصومات، أو في المذاهب،
أو في المناهِج.
وفي
أقوال الجهمية والمعتزلة والأشاعرة
والقدرية.
يجب
أنّنا نعرف هذا، لأن بعض الناس وبعض
المنتسبين للدّعوة يَقْصُر هذا على وجوب
التحاكُم في المنازعات والخُصومات إلى
المحاكِم الشرعية، ويقول:
يجب
تحكيم الشريعة ونَبْذِ القوانين، نعم،
يجب هذا، ولكن لا يجوز الاقتصار عليه،
بل لابُدّ أن يتعدّى إلى الأُمور الأخرى،
إلى تحكيم الشريعة في كلّ ما فيه نزاع،
سواءً كان هذا النّزاع بين دُول، أو كان
هذا النّزاع بين جماعات، أو كان هذا النزاع
بين أفراد، أو كان هذا النّزاع بين مذاهب
واتّجاهات، لابدّ من تحكيم الكتاب والسنّة.
نحن
نُطالِب بهذا في كلّ هذه الأُمور.
أما
أن نَقْصُرَهُ على ناحية ونسكُت عن
النّاحية الأخرى، فنقول:
النواحي
الأخرى دعوا الناس إلى رغباتهم، دعوا
كلاًّ يختار له مذهباً، وكلاًّ يختار له
منهجاً.
نقول:
هذا
قُصور عظيم، لأنه يجب أن نحكِّم الشريعة
في المحاكِم، ونحكّمها في المذاهب
الفقهيّة، ونحكّمها في المناهج الدّعويّة،
لابد من هذا، فلا يجوز لنا أن نَقْصُر
كلام الله وكلام رسوله على ناحية ونترُك
النواحي الأخرى، لأنّ هذا إمّا جهل وإمّا
هوى.
كثيرٌ
من النّاس اليوم ينادون بتحكيم الشريعة
في المحاكِم وهذا حق؛ لكن هم متنازِعون
ومختلفون في مناهجهم وفي مذاهبهم، ولا
يريدون أن يحكِّموا الشّريعة في هذه
الأمور، بل يقولون:
اتركوا
الناس على ما هم عليه، لا تتعرّضوا
لعقائدهم، لا تتعرضوا لمصطلحاتهم، لا
تتعرّضوا لمناهجهم، اتركوهم على ما هم
عليه، وهذا ضلال، بل هذا من الإيمان ببعض
الكتاب والكفر بالبعض الآخر، مثل قوله
تعالى:
{أَفَتُؤْمِنُونَ
بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ
بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ
ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي
الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ
الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ
الْعَذَابِ}
.
فهذا
أمر يجب التنبُّه له، لأنّ هذه مسألة
عظيمة غفل عنها الآن الأكثرون.
فالذين
ينادون بتحكيم الشريعة إنما يريدون
تحكيمَها في المخاصَمات، في الأموال،
والأعراض، والخلافات بين الناس، والأمور
الدّنيوية دون العقائد والمذاهب.
وقال في ص135 : ما يقوله دعاة الحاكميّة اليوم ويريدون تحكيم الشريعة في أُمور المنازعات الحقوقيّة، ولا يحكِّمونها في أمر العقائد، ويقولون: النّاس أحرار في عقائدهم، يكفي أنّه يقول: أنا مسلم، سواءً كان رافضيّاً أو كان جهمياً أو معتزليّاً، أو.. أو.. إلى آخره، "نجتمع على ما اتفقنا عليه، ويعذُر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه" هذه القاعدة التي وضعوها، ويسمونها: القاعدة الذهبية. وهي في الحقيقة: تحكيم للكتاب في بعض، وترك له فيما هو أهمّ منه، لأنّ تحكيم الشريعة في أمر العقيدة أعظم من تحكيمها في شأن المنازعات الحُقوقية، فتحكيمُها في أمر العقيدة وهدم الأضرحة ومشاهد الشرك، ومقاتلة المشركين حتى يؤمنوا بالله ورسوله، هذا أهمّ، فالذي إنما يأخذ جانب الحاكميّة فقط ويُهمِل أمر العقائد، ويُهمِل أمر المذاهب والمناهج التي فرّقت الناس الآن، ويُهمل أمر النّزاع في المسائل الفقهيّة، ويقول: أقوال الفقهاء كلها سواء، نأخذ بأيّ واحدٍ منها دون نظر إلى مستنده. فهذا قول باطل، لأن الواجب أن نأخذ بما قام عليه الدليل، فيحكَّم كتاب الله في كلّ المنازَعات العَقَديّة، وهذا هو الأهم، والمنازَعات الحُقوقيّة، والمنازَعات المنهجيّة، والمنازَعات الفقهيّة، {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ} هذا عامّ، {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللهِ ذَلِكُمُ اللهُ} هذا عام أيضاً.
وقال في ص135 : ما يقوله دعاة الحاكميّة اليوم ويريدون تحكيم الشريعة في أُمور المنازعات الحقوقيّة، ولا يحكِّمونها في أمر العقائد، ويقولون: النّاس أحرار في عقائدهم، يكفي أنّه يقول: أنا مسلم، سواءً كان رافضيّاً أو كان جهمياً أو معتزليّاً، أو.. أو.. إلى آخره، "نجتمع على ما اتفقنا عليه، ويعذُر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه" هذه القاعدة التي وضعوها، ويسمونها: القاعدة الذهبية. وهي في الحقيقة: تحكيم للكتاب في بعض، وترك له فيما هو أهمّ منه، لأنّ تحكيم الشريعة في أمر العقيدة أعظم من تحكيمها في شأن المنازعات الحُقوقية، فتحكيمُها في أمر العقيدة وهدم الأضرحة ومشاهد الشرك، ومقاتلة المشركين حتى يؤمنوا بالله ورسوله، هذا أهمّ، فالذي إنما يأخذ جانب الحاكميّة فقط ويُهمِل أمر العقائد، ويُهمِل أمر المذاهب والمناهج التي فرّقت الناس الآن، ويُهمل أمر النّزاع في المسائل الفقهيّة، ويقول: أقوال الفقهاء كلها سواء، نأخذ بأيّ واحدٍ منها دون نظر إلى مستنده. فهذا قول باطل، لأن الواجب أن نأخذ بما قام عليه الدليل، فيحكَّم كتاب الله في كلّ المنازَعات العَقَديّة، وهذا هو الأهم، والمنازَعات الحُقوقيّة، والمنازَعات المنهجيّة، والمنازَعات الفقهيّة، {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ} هذا عامّ، {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللهِ ذَلِكُمُ اللهُ} هذا عام أيضاً.
وهؤلاء
الذين جعلوا الحاكميّة بدل التوحيد
غالطون، حيث أخذوا جانباً وتركوا ما هو
أعظم منه، وهو العقيدة، وتركوا ما هو
مثله-
أو
هو أعظم منه-
وهو
المناهج التي فرّقت بين الناس، كلّ جماعة
لها منهج، كل جماعة لها مذهب، لم لا نرجع
إلى الكتاب والسنّة ونأخذ المنهج والمذهب
الذي يوافق الكتاب والسنّة ونسير عليه.
والحاصل؛
أنّ تحكيم الكتاب والسنّة يجب أن يكون في
كلّ الأُمور، لا في بعضها دون بعض، فمن
لم يحكِّم الشريعة في كلّ الأمور كان
مؤمناً ببعض الكتاب وكافراً ببعض شاء أم
أبى، {أَفَتُؤْمِنُونَ
بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ
بِبَعْضٍ}
.