قال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله في شرحه لكتاب التوحيد(2/70-71): قال تعالى:
" {أَفَأَمِنُوا
مَكْرَ اللهِ}
" هذه
الآية في سِياق ما ذكره الله عن الأمم
الكافرة التي أحلّ الله بها عقوباته من
قوم نوح، وقوم هود، وقوم صالح، وقوم لوط،
وقوم شعيب، الذين ذكرهم الله في سورة
الأعراف، ثمّ قال:
{وَمَا
أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ
إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ
وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ
(94)
} ،
{بِالْبَأْسَاءِ
وَالضَّرَّاءِ}
الشدائد
من الجوع والخوف والقحط وغلاء الأسعار،
يفعل الله ذلك بهم لعلهم يدعونه، ولعلهم
يرجعون إلى الله ويتوبون، ويعلمون أن ما
أصابهم بسبب ذنوبهم؛ لكنهم لم يرجعوا.
ثمّ
إن الله سبحانه استدرجهم بالنعم، لَمّا
لم يرجعوا عند النِّقَم استدرجهم
بالنعم
قال تعالى:
{ثُمَّ
بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ}
أي:
بدل
الشدة والجوع والخوف، بـ {الْحَسَنَةَ}
وهي:
الغنى والسَّعَة والثروة؛ استدراجاً من الله
سبحانه لهم.
{حَتَّى
عَفَوْا}
يعني
حتى كثروا وزادت قوتهم ونموا وصار لهم
قوة واغتروا بهذه النعمة؛ فهم لم يتوبوا
عند النقمة ولم يشكروا عند النعمة.
{وَقَالُوا
قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ
وَالسَّرَّاءُ}
قالوا:
هذه
الأمور تجري عادة، مرّة رخاء ومرّة شدة،
لم يُرْجِعوا الأمر إلى الله سبحانه
وتعالى ويعلموا أن ما أصابهم من العقوبات بسبب ذنوبهم وأن ما أصابهم من النعمة فهو
فضلٌ من الله؛ بل نسبوا هذا إلى العادة.
{فَأَخَذْنَاهُمْ
بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ}
هذا
هو المكر، وهو:
أن
الله أخذهم في مأمنهم حيث لم يتوقعوا
العقوبة.
وفي
هذا تحذير لنا من الله سبحانه وتعالى أننا
لا نغتر بهذه النعم، وهذه الثروات، وهذه
السَّعَة؛ فنغفلُ عن شكر الله عزّ وجلّ،
ولا نعمل بطاعة الله، ولا نخاف من العقوبة
ومن زوال هذه النعم.
ثمّ
قال سبحانه:
{وَلَوْ
أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا
لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ
السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ
كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا
يَكْسِبُونَ (96)
} ؛
فالنعم إذا كانت مع المعاصي فهي استدراج،
وإذا كانت مع الطاعات فإنها نعمةٌ من الله
تعالى وعون على طاعته.
ثمّ
قال تعالى:
" {أَفَأَمِنُوا
مَكْرَ اللهِ}
" هذا
استنكار من الله سبحانه وتعالى على من
يغترّ بالنعم وينسى العقوبة أن يأخذهم
على غِرّة وهم آمنون منعَّمون، ثمّ ينقلهم
من النعمة إلى النِّقْمة، ومن الصحة إلى
الألم والمرض، ومن الوجود إلى العدم.
{فَلا
يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ}
أي:
لا
يأمن عقوبة الله التي تنزل على خُفْية
ومن غير تأهُب ومن غير توقع لها.
{إِلَّا
الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ}
الذين
حقّتْ عليهم الخسارة التي لا رِبْح معها
أبداً ولا نجاة منها أبداً.