قال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله في شرحه لكتاب التوحيد(2/107-108): التحليل
والتحريم حقٌّ لله سبحانه وتعالى لا
يشاركه فيه أحد، فمن حلّل أو حرّم من غير
دليلٍ من كتاب الله أو سنة رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقد
جعل نفسه شريكاً لله، ومن أطاعه فقد أشركه
مع الله في التشريع.
وليس
في الآية التي سيوردها المصنف ذكر للأمراء.
وإنما
هو إشارة إلى قوله تعالى:
{وَقَالُوا
رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا
وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا
(67)
} .
وهذا
ما يسمى بشرك الطاعة، لأن العبادة معناها:
طاعة
الله سبحانه وتعالى بفعل أوامره وترك
نواهيه، ومن ذلك:
مسألة
التحليل والتحريم، فهي داخلة في العبادة،
بدليل قوله تعالى لَمّا ذكر ما يفعله
المشركون من استباحة ما حرّمه الله من
الميتة التي حرّمها وهم يستحلُّونها
ويقولون:
هي
أولى بالأكل من المُذَكّاة، لأن المذكّاة
أنتم ذبحتموها، وأمّا الميتة فإن الله
هو الذي ذبحها، وكانوا تلقّوا هذه المقالة
من المجوس، فأنزل الله تعالى:
{فَكُلُوا
مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ إِنْ
كُنْتُمْ بِآياتِهِ مُؤْمِنِينَ (118)
} إلى
قوله تعالى:
{وَلا
تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ
اللهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ
وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى
أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ
وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ
لَمُشْرِكُونَ (121)
} أي:
إنْ أطعتموهم في استباحة الميتة وخالفتم أمرَ
الله سبحانه وتعالى بتركها، {إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ}
مع
الله في التحليل والتحريم.
فطاعة
العلماء والأمراء في مثل هذا شرك، في
تحليل ما حرّم الله أو تحريم ما أحل الله.
فإن
كان الذي أطاعهم يعلم أنهم خالفوا أمر
الله في ذلك وتعمّد طاعتهم واستباح هذا،
فهذا شركٌ أكبر يُخرِج من الملّة.
وإنْ
كان الذي أطاعهم يعتقد أن هذا حرام، ويعترف
أن هذا خطأ، ولكنه أطاعهم لهوىً في نفسه
أو رغبة في نفسه مع اعترافه بالمعصية،
فهذا شرك أصغر.
وإن
كان أطاعهم وهو لا يعلم أنهم خالفوا شرع
الله، بل ظن أنهم على حق، فهذا معذور إن
كان مثله يجهل ذلك.
وأما
طاعة العلماء والأمراء في غير معصية الله
فهذا أمرٌ واجب، قال الله تعالى:
{يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا
اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي
الْأَمْرِ مِنْكُمْ}
،
فطاعة العلماء
وطاعة
وُلاة الأمور في غير معصية الله أمرٌ
أوجبه الله على الناس.
و
{وَأُولِي
الْأَمْرِ}
قيل:
هم
الأمراء، وقيل:
هم
العلماء.
والصواب:
أن
الآية تعني العلماء والأمراء معاً، فكلهم
من أولي الأمر، فالعلماء يبيِّنون الأحكام
الشرعية، والأمراء ينفِّذونها.
فليست
طاعة وُلاة الأمور ممنوعة مطلَقاً ولا
جائزة مطلقاً، بل فيها هذا التفصيل الذي
لابد منه.
والشيخ
رحمه الله خصص تحريم طاعتهم في تحليل
الحرام وتحريم الحلال فقال:
"من
أطاع العلماء والأمراء في تحريم ما أحل
الله أو تحليل ما حرم الله فقد اتخذهم
أرباباً"
ولم
يعمم تحريم طاعتهم.