قال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله في شرحه لكتاب التوحيد(2/178) وعند شرحه على حديث أبي هريرة -في الصحيح- عن النبي صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:
"قال
الله تعالى:
يؤذيني
ابن آدم؛ يسبب الدهر، وأنا الدهر، أقلب
الليل والنهار".
وفي
رواية:
"لا
تسبوا الدهر؛ فإن الله هو الدهر": يقول جل وعلا: "يؤذيني ابن آدم" الله
يتأذّى ببعض أفعال عباده، لكنّه لا يتضرّر
بها.
ثم
فسّر ذلك الأذى بقوله:
"يسبُّ
الدّهر"
والدهر
ليس محلاًّ للسّب، فيكون محلّ السب هو
الله سبحانه وتعالى، لأنّه هو الذي خلق
أو أوجد هذا الأمر الذي يكرهه هذا الإنسان،
فإذا سبّ الدهر فقد سبّ الفاعل وهو الله
سبحانه وتعالى، والواجب على أهل الإيمان
أنه إذا أصابهم ما يكرهون أن يعتبروا أن
هذا قضاء من الله وقدر، وأنّه من الله جل
وعلا، وأنّه لم يخلُقه عبثاً، وأنّه بسبب
الذّنوب والمعاصي، فيتوب المؤمن، ويصبر
على المصيبة، ويحتسب الأجر عند الله
سبحانه وتعالى، ولا يُطلق لسانه بذمّ
الساعة واليوم والوقت الذي حصل فيه هذا
المكروه، وإنما يحمد الله ويشكره ويرضى
بقضائه وقدَره، ويعلم أنّه ما أُصيب إلاّ
بسبب ذُنوبه، فيحاسب نفسه ويتوب إلى الله
تعالى.
ثم
بيَّن معنى قوله:
"أنا
الدهر"
فقال:
"أقلّب
الليل والنهار"،
وليس معناه:
أن
الله يُسمّى الدهر، فليس الدّهر من أسماء
الله، والحديث يفسِّر بعضه بعضاً، فمن
زعم أن (الدهر)
من
أسماء الله فقد غلِط.
"وفي
رواية:
" لا
تسبُّوا الدهر"
هذا
نهي، والنّهي يقتضي التحريم.
ثم
علّل ذلك بقوله:
"فإنّ
الله هو الدهر"
يعني:
مَن
سبّ الدهرَ فقد سبّ الله، لأنّ الله هو
الخالق سبحانه وتعالى، وهو الذي أجرى هذا
الحادث الذي يكرهه العبد ويتألّم منه،
فإذا سبّ الدهر فقد سبّ الفاعل وهو الله
سبحانه وتعالى.
ومسبّة
الدهر على نوعين:
النوع
الأوّل:
ما
يكون كفراً وشركاً أكبر، وذلك إذا اعتقد
أنّ الدهر هو الفاعل، وهو الذي أحدث
المصيبة، فذمّه من أجل ذلك، فهذا شركٌ
أكبر، لأنّه أثبت شريكاً لله تعالى.
النّوع
الثاني:
أن
يعتقد أنّ الفاعل هو الله ولكنّه ينسِب
الأذى إلى الدهر، أو ينسب الذمّ إلى الدهر
من باب التساهُل في اللّفظ:
فهذا
أيضاً محرّم، ويُعتبر من الشّرك
الأصغر، حتى ولو لم يقصد المعنى وإنما
جرى على لسانه، فيُعتبر من الشرك في
الألفاظ.