قال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله في شرحه لكتاب التوحيد(2/190-192) وعند شرحه على حديث ابن
عمر ومحمد بن كعب وزيد بن أسلم وقتادة -
دخل
حديثُ بعضهم في بعض-: أنه قال رجلٌ في غزوة تبوك: ما رأينا مثل قُرَّائنا هؤلاء؛ أرْغَبَ بطوناً، ولا أكذبَ ألسناً، ولا أجْبَنَ عند اللَّقاء "يعني: رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابَهُ القُرّاء".فقال عوفُ بن مالك: كذبتَ، ولكنّك منافق، لأُخبرنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فذهب عوفُ إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليُخبره، فوجد القرآن قد سبقه....الحديث":
هذه القصّة فيها فوائد عظيمة:
الفائدة
الأولى:
أن
من استهزأ بالله أو برسوله أو بالقرآن أو استهان
بشيء من ذلك؛ أنّه يرتدّ عن دين الإسلام
رِدّة تنافي التّوحيد وتُخرج من دين
الإسلام، لأن هؤلاء كانوا مؤمنين، فارتدّوا
عن دينهم بهذه المقالة، بدليل قوله تعالى:
{قَدْ
كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ}
.
الفائدة
الثانية:
أن
نواقض الإسلام لا يُعفى فيها عن اللّعب
والمزح، سواءً كان جادّاً أو هازلاً، بل
يُحكم عليه بالردّة والخُروج من دين
الإسلام، لأنّ هؤلاء زعموا أنّهم يمزحون
ولم يقبل الله جل وعلا عذرهم، لأنّ هذا
ليس موضع لعب ولا موضع مزح.
الفائدة
الثالثة:
وُجوب
إنكار المنكر، لأنّ عوف بن مالك رضي الله
عنه أنكر ذلك وأقرّه الرسول صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على ذلك.
الفائدة
الرابعة:
أنّ
مَن لم يُنكر الكفر والشرك فإنّه يكون
كافراً، لأنّ الذي تكلّم في هذا المجلس
واحد والله نسب هذا إلى المجموع فقال: {أَبِاللهِ
وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ
تَسْتَهْزِئُونَ *
لا
تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ
إِيمَانِكُمْ}
،
لأنّ الراضيَ كالفاعل، وهذه خطورة عظيمة.
الفائدة
الخامسة:
أنّ
إبلاغ وليّ الأمر عن مقالات المفسدين من
المنافقين ودُعاة السوء الذين يريدون
تفريق الكلمة والتحريش بين المسلمين من
أجل الحَزْم يُعَدُّ من النصيحة الواجبة،
وليس هو من النّميمة، لأنّ عوف بن مالك
رضي الله عنه فعل ذلك ولم يُنكر عليه
الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فدلّ على أنّ هذا من النّصيحة، وليس من
النّميمة المذمومة.
الفائدة
السادسة:
فيه
احترام أهلِ العلم وعدم السخرية منهم،
أو الاستهزاء بهم، لأنّ هذا المنافق قال:
"ما
رأينا مثل قرائنا هؤلاء"
يريد
بذلك العلماء، والعلماء وَرَثَةُ الأنبياء،
وهم قُدوة الأُمَّة، فإذا طعنَّا في
العلماء فإنَّ هذا يُحْدِثُ الخَلْخَلَةَ
في المجتمع الإسلاميّ، ويقلِّل من قيمة
العلماء، ويُحْدِث التشكيك فيهم.
نسمع
ونقرأ من بعض دُعاة السوء من يقول:
"هؤلاء
علماء حيض، علماء نفاس، هؤلاء عُمَلاء
للسلاطين، هؤلاء علماء بغْلَة السلطان"،
وما أشبه ذلك، وهذا القول من هذا الباب-
والعياذُ
بالله-
وليس
للعلماء ذنب عند هذا الفاسق إلاّ أنهم لا
يوافقونه على منهجه المنحرف.
فالوقيعة
بالمسلمين عُموماً ولو كانوا من العوامّ
لا تجوز، لأنّ المسلم له حُرمَة، فكيف
بوُلاة أُمور المسلمين وعلماء المسلمين.
فالواجب
الحذر من هذه الأمور، وحفظ اللّسان،
والسّعي في الإصلاح، ونصيحة مَن يفعل هذا
الشيء.
الفائدة
السابعة:
في
الحديث دليلٌ على معجزة من معجزات الرّسول
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ حيث
إنّه بلغه الوحي عن القصّة قبل أن يأتيَ
إليه عَوفُ بن مالك، وهذا مصداق قوله
تعالى:
{وَمَا
يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3)
إِنْ
هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4)
} .
الفائدة
الثامنة:
في
الحديث دليلٍ على أنّ نواقِض الإسلام لا
يُعذَر فيها بالمزح
واللّعب،
لأنها ليست مجالاً لذلك، وإنّما يُعذر
فيها المُكْره على القول خاصة كما في آية
النحل:
{إِلَّا
مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ
بِالْأِيمَانِ}
.
الفائدة
التاسعة:
في
الحديث دليلٌ على وُجوب الغِلْظة على
أعداء الله ورسوله من المنافقين والكُفّار
ودُعاة الضّلال، وأنّ الإنسان لا يَلِين
لهم، لأنّه إنْ لان معهم خدعوه ونفّذوا
شرّهم، فلا بُدّ من الحَزْم من وليّ الأمر
ومن العالِم نحو المنافقين والكُفّار
ودُعاة السوء.