حسن
الخلق لا شك أنه له تأثيرًا عظيما في
استجابة الناس للداعي.
أما
إذا رأوا الإنسان خشنًا فإنهم يسبونه
ويذمونه على ما فيه من الأخلاق الشرعية،
تجدهم مثلا يسبونه على لحيته، واللحية
أخلاق شرعية، ويسبونه على تقصير الثوب،
يسبونه على المشي حافيًا.
لماذا؟
لأنه ليس حَسَن الأخلاق مع الناس.
لا
يدعو بالأخلاق إنما يدعو بالجفاء والغلظة،
ويريد أن يصلح الناس كلهم في ساعة واحدة،
هذا خطأ لا يمكن أن يصلح الناس في ساعة
واحدة أبدًا.
أليس
النبي صلى الله عليه وسلم قد بقي في مكة
ثلاث عشرة سنة يدعو الناس؟ وفي النهاية
أُخرِجَ من مكة حين تآمروا عليه:
{وَإِذْ
يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا
لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ
يُخْرِجُوكَ}
[الأنفال:
30] .
يثبتوك
يعني يحبسوك أو يقتلوك أو يخرجوك
{وَيَمْكُرُونَ
وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ
الْمَاكِرِينَ}
[الأنفال:
30] . فلا
يمكن أن تصلح الخلق بمجرد دعوة أو دعوتين
لا سيما إذا لم تكن ذا قيمة بينهم لكن اصبر
وأطل النَّفَس وادع بالحكمة وأحسن الخلق
وسيتبين لك الأمر فيما بعد.
ولا
شك أن حسن المنطق له تأثير عظيم بالغ.
ويُحكى
أن رجلا من أهل الحسبة مر على فلاح يسني
إبله وكان في أذان المغرب.
وكان
هذا الفلاح يغني؛ لأن الإبل إذا سمعت الغناء
تمشي كأنها مجنونة؛ لأنها تطرب فكان يغني
غافلا ولا يسمع الأذان فتكلم عليه رجل
الحسبة بكلام شديد.
قال
له -
أي
صاحب الإبل -:
سوف
أغني وأستمر في الغناء وإذا ما ذهبت فالعصا
لمن عصا، -
يقول
هذا الكلام بسبب أنه جاءه بعنف -
فذهب
صاحب الحسبة إلى الشيخ القاضي وقال له:
أنا
ذهبت لفلان وسمعته يغني على إبله والمؤذن
يؤذن المغرب ونصحته فلم يستجب.
فلما
كان من الغد ذهب الشيخ القاضي إلى مكان
صاحب الإبل في الوقت نفسه فلما أذن جاء
الفلاح وقال له:
يا
أخي أذن المؤذن فعليك أن تذهب وتصلي فإن
الله يقول:
{وَأْمُرْ
أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ
عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ
نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى}
[طه:132]
. فقال
صاحب الإبل:
جزاك
الله خير، ووضع العصا التي يسوق بها الإبل
وتوضأ ومشى معه، وماذا حصل؟ حصل المقصود،
أما الأول لو تمادى معه لحصل الشر وترك
الخير، ولكن الثاني أتاه بالتي هي أحسن
فانقاد تمامًا، فلذلك أقول:
إن
بعض طلبة العلم يكون عندهم غيرة لكن لا
يحسنون التصرف، والواجب أن الإنسان يكون
في تصرفاته على علم وبصيرة وعلى قدر كبير
من الحكمة.
العلم للعثيمين(ص79)