الْحَيْضُ:
دَمٌ
يُرْخِيهِ الرَّحِمُ إذَا بَلَغْت
الْمَرْأَةُ، ثُمَّ يَعْتَادُهَا فِي
أَوْقَاتٍ مَعْلُومَةٍ؛ لِحِكْمَةِ
تَرْبِيَةِ الْوَلَدِ، فَإِذَا حَمَلَتْ
انْصَرَفَ ذَلِكَ الدَّمُ بِإِذْنِ
اللَّهِ إلَى تَغْذِيَتِهِ؛ وَلِذَلِكَ
لَا تَحِيضُ الْحَامِلُ، فَإِذَا وَضَعْت
الْوَلَدَ قَلَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى
بِحِكْمَتِهِ لَبَنًا يَتَغَذَّى بِهِ
الطِّفْلُ؛ وَلِذَلِكَ قَلَّمَا تَحِيضُ
الْمُرْضِعُ، فَإِذَا خَلَتْ الْمَرْأَةُ
مِنْ حَمْلٍ وَرَضَاعٍ.
بَقِيَ
ذَلِكَ الدَّمُ لَا مَصْرِفَ لَهُ،
فَيَسْتَقِرُّ فِي مَكَان، ثُمَّ يَخْرُجُ
فِي الْغَالِبِ فِي كُلِّ شَهْرٍ سِتَّةَ
أَيَّامٍ أَوْ سَبْعَةً، وَقَدْ يَزِيدُ
عَلَى ذَلِكَ، وَيَقِلُّ، وَيَطُولُ
شَهْرُ الْمَرْأَةِ وَيَقْصُرُ، عَلَى
حَسَبِ مَا رَكَّبَهُ اللَّهُ تَعَالَى
فِي الطِّبَاعِ . المغني لابن قدامة(1/223)
قال شيخُ الإِسلام، وابنُ المنذر، وجماعةٌ من أهل العلم:
إِنه لا صحَّة لتحديد أوَّل الحيض بتسع سنين، وآخره بخمسين سَنَة ، وأن المرأة متى
رأت الدَّم المعروف عند النِّساء
أنه حيض؛ فهو حيض؛ صغيرةً كانت أم كبيرةً،
والدَّليل على ذلك ما يلي:
1
- عموم
قوله تعالى:
{وَيَسْأَلُونَكَ
عَنِ الْمَحِيْضِ قُلْ هُوَ أَذىً}
[البقرة:
222]،
فقوله:
{قُلْ
هُوَ أَذىً}
حكمٌ
معلَّقٌ بِعلَّة، وهو الأذى، فإِذا وُجِدَ
هذا الدَّمُ الذي هو الأذى ـ وليس دم
العِرْق ـ فإِنَّه يُحكمُ بأنه حيضٌ.
وصحيحٌ
أن المرأة قد لا تحيضُ غالباً إلا بعد
تمام تسع سنين، لكن النِّساء يختلفن،
فالعادةُ خاضعةٌ لجنس النِّساء، وأيضاً
للوراثة، فمن النساء من يبقى عليها الطُّهر
أربعة أشهر، ويأتيها الحيض لمدَّة شهر
كامل، كأنه ـ والله أعلم ـ ينحبس، ثم يأتي
جميعاً.
ومن
النِّساء من تحيض في الشهر ثلاثة أيام،
أو أربعة، أو خمسة، أو عشرة.
2
- قوله
تعالى:
{وَاللاََّّئِي
يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ
إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ
ثَلاَثَةُ أَشْهُرٍ وَاللاََّّئِي لَمْ
يَحِضْنَ}
[الطلاق:
4]،
أي:
عِدَّتهن
ثلاثةُ أشهر، ولم يقل:
واللائي
قبل التسع أو بعد الخمسين، بل قال:
واللائي
يئسن من المحيض واللائي لم يحضن، فالله
سبحانه رَدَّ هذا الأمر إِلى معقول معلَّل،
فوجب أن يثبت هذا الحكم بوجود هذه الأمور
المعقولة المعلَّلة، وينتفي بانتفائها،
والمرأة التي حاضت في آخر شهر من الخمسين،
وأوَّل شهر من الحادية والخمسين غير آيسة،
فهو حيضٌ مطَّردٌ بعدده وعدد الطُّهر بين
الحيضات ولا اختلاف فيه، فمن يقول بأنَّ
هذه آيسة؟!.
والله
علَّق نهاية الحيض باليأس، وتمام الخمسين
لا يحصُل به اليأس إِذا كانت عادتُها
مستمرَّةٌ، فتبيَّن أنَّ تحديد أوَّله
بتسع سنين، وآخره بخمسين سَنَة لا دليل
عليه.
فالصَّواب:
أنَّ
الاعتماد إِنَّما هو على الأوصاف، فالحيض
وُصِفَ بأنَّه أذى، فمتى وُجِدَ الدَّمُ
الذي هو أذىً فهو حيض. الشرح
الممتع -بتصرف-(1/467-468)