الثلاثاء، 13 مايو 2014

موقف أهل السنة مما نسب إلى الصحابة وما شجر بينهم

قال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله في شرح الواسطية(155-157): موقف أهل السنة مما نسب إلى الصحابة وما شجر بينهم، أي‏:‏ تنازعوا فيه‏.‏ يتلخص في أمرين‏:‏


الأمر الأول‏:‏ أنهم ‏(‏يمسكون عما شجر بين الصحابة‏)‏ أي‏:‏ يكفون عن البحث فيه ولا يخوضون فيه لما في الخوض في ذلك من توليد الإحن والحقد على أصحاب ـ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وذلك من أعظم الذنوب، فطريق السلامة هو السكوت عن ذلك وعدم التحدث به‏.‏


الأمر الثاني‏:‏ الاعتذار عن الآثار المروية في مساويهم لأن في ذلك دفاعًا عنهم وردًا لكيد أعدائهم، وقد ذكر أن جملة الاعتذارات تتلخص فيما يلي‏:‏


1 ـ ‏(‏هذه الآثار المروية في مساويهم منها ما هو كذب‏)‏ قد افتراه أعداؤهم ليشوهوا سمعتهم كما تفعله الرافضة قبحهم الله‏.‏ والكذب لا يلتفت إليه‏.‏


2 ـ هذه المساوئ المروية ‏(‏منها ما قد زيد فيه ونقص وغيِّر عن وجهه الصحيح‏)‏ ودخله الكذب فهو محرف لا يعتمد عليه‏.‏ لأن فضل الصحابة معلوم وعدالتهم متيقنة، فلا يترك المعلوم المتيقن لأمر محرف مشكوك فيه‏.‏


3 ـ ‏(‏والصحيح منه‏)‏ أي‏:‏ من هذه الآثار المروية ‏(‏هم فيه معذورون إما مجتهدون مصيبون وإما مجتهدون مخطئون‏)‏ فهو من موارد الاجتهاد التي إن أصاب المجتهد فيها فله أجران، وإن أخطأ فله أجر واحد‏.‏ لما في الصحيحين عن أبي هريرة وعمرو بن العاص ـ رضي الله عنهما ـ‏:‏ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال‏:‏ ‏(‏إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران‏.‏ وإن اجتهد وأخطأ فله أجر واحد‏)‏ ‏[‏رواه البخاري ‏(‏7352‏)‏ ومسلم ‏(‏1716‏)‏ عن عمرو بن العاص‏]‏‏.‏


4 ـ أنهم بشر يجوز على أفرادهم ما يجوز على البشر من الخطأ فأهل السنة‏:‏ ‏(‏لا يعتقدون أن كل واحد من الصحابة معصوم عن كبائر الإثم وصغائره، بل يجوز عليهم الذنوب في الجملة‏)‏ لكن ما يقع منهم من ذلك فله مكفرات عديدة منها‏:‏


أ ـ أن ‏(‏لهم من السوابق والفضائل ما يوجب مغفرة ما يصدر منهم إن صدر‏)‏ فما يقع من أحدهم يغتفر بجانب ماله من الحسنات العظيمة، كما في قصة حاطب لما وقع منه ما وقع في غزوة الفتح غفر له بشهوده وقعة بدر ‏(‏حتى إنهم يغفر لهم من السيئات ما لا يغفر لمن بعدهم لأن لهم من الحسنات التي تمحو السيئات ما ليس لمن بعدهم‏)‏ وقد قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ‏}‏ ‏[‏الآية ‏(‏114‏)‏ من سورة هود‏]‏‏.‏


ب ـ أنهم تضاعف لهم الحسنات أكثر من غيرهم ولا يساويهم أحد في الفضل، ‏(‏وقد ثبت بقول رسول الله أنهم خير القرون ‏[‏رواه البخاري ‏(‏3651‏)‏ ومسلم ‏(‏2513‏)‏ عن ابن مسعود‏]‏‏.‏ وأن المد من أحدهم إذا تصدق به كان أفضل من جبل أحد ذهبًا ممن بعدهم .‏ أخرجه الشيخان وغيرهما، أحاديث عن أبي هريرة وابن مسعود وعمران بن حصين‏:‏ ‏(‏أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال‏:‏ خير القرون قرني ثم الذين يلونهم‏)‏ الحديث‏.‏ والقرون‏:‏ جمع قرن‏.‏ والقرن‏:‏ أهل زمان واحد متقارب اشتركوا في أمر من الأمور المقصودة، ويطلق القرن على المدة من الزمان‏.‏


ج ـ كثرة مكفرات الذنوب لديهم فإنهم يتوفر لهم من المكفرات ما لم يتوفر لغيرهم ‏(‏فإذا كان قد صدر من أحدهم ذنب فيكون قد تاب منه، أو أتى بحسنات تمحوه، أو غفر له بفضل سابقته‏)‏ أي‏:‏ الأعمال الصالحة التي أسبقها قبله ‏(‏أو بشفاعة محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ الذي هم أحق الناس بشفاعته، أو ابتلي ببلاء في الدنيا كفر به عنه‏)‏ أي‏:‏ امتحن وأصيب بمصيبة محي عنه ذلك الذنب بسببها‏.‏ كما في الصحيح أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال‏:‏ ‏(‏ما يصيب المؤمن من وصف ولا نصب ولا غم ولا هم ولا حزن حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه‏)‏ متفق عليه ‏[‏رواه البخاري ‏(‏5641‏)‏ ومسلم ‏(‏2573‏)‏ عن أبي هريرة وأبي سعيد‏.‏ والصحابة أولى الناس بذلك‏]‏‏.‏


‏ ‏(‏فإذا كان هذا في الذنوب المحققة‏)‏ أي‏:‏ الواقعة منهم فعلًا وأن لديهم رصيدًا من الأعمال الصالحة التي تكفرها ‏(‏فكيف بالأمور التي كانوا فيها مجتهدين‏)‏ الاجتهاد‏:‏ هو بذل الطاقة في معرفة الحكم الشرعي ‏(‏إن أصابوا فلهم أجران وإن أخطأوا فلهم أجر واحد، والخطأ مغفور، كما سبق بيان دليل ذلك قريبًا.