قال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله في شرح الواسطية(155-157): موقف
أهل السنة مما نسب إلى الصحابة وما شجر
بينهم، أي:
تنازعوا
فيه.
يتلخص
في أمرين:
الأمر
الأول:
أنهم
(يمسكون
عما شجر بين الصحابة)
أي:
يكفون
عن البحث فيه ولا يخوضون فيه لما في الخوض
في ذلك من توليد الإحن والحقد على أصحاب
ـ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وذلك
من أعظم الذنوب، فطريق السلامة هو السكوت
عن ذلك وعدم التحدث به.
الأمر
الثاني:
الاعتذار
عن الآثار المروية في مساويهم لأن في ذلك
دفاعًا عنهم وردًا لكيد أعدائهم، وقد ذكر
أن جملة الاعتذارات تتلخص فيما يلي:
1
ـ
(هذه
الآثار المروية في مساويهم منها ما هو
كذب)
قد
افتراه أعداؤهم ليشوهوا سمعتهم كما تفعله
الرافضة قبحهم الله.
والكذب
لا يلتفت إليه.
2
ـ
هذه المساوئ المروية (منها
ما قد زيد فيه ونقص وغيِّر عن وجهه الصحيح)
ودخله
الكذب فهو محرف لا يعتمد عليه.
لأن
فضل الصحابة معلوم وعدالتهم متيقنة، فلا
يترك المعلوم المتيقن لأمر محرف مشكوك
فيه.
3
ـ
(والصحيح
منه)
أي:
من
هذه الآثار المروية (هم
فيه معذورون إما مجتهدون مصيبون وإما
مجتهدون مخطئون)
فهو
من موارد الاجتهاد التي إن أصاب المجتهد
فيها فله أجران، وإن أخطأ فله أجر واحد.
لما
في الصحيحين عن أبي هريرة وعمرو بن العاص
ـ رضي الله عنهما ـ:
أن
رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال:
(إذا
اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران.
وإن
اجتهد وأخطأ فله أجر واحد)
[رواه
البخاري (7352)
ومسلم
(1716)
عن
عمرو بن العاص].
4
ـ
أنهم بشر يجوز على أفرادهم ما يجوز على
البشر من الخطأ فأهل السنة:
(لا
يعتقدون أن كل واحد من الصحابة معصوم عن
كبائر الإثم وصغائره، بل يجوز عليهم
الذنوب في الجملة)
لكن
ما يقع منهم من ذلك فله مكفرات عديدة
منها:
أ
ـ أن (لهم
من السوابق والفضائل ما يوجب مغفرة ما
يصدر منهم إن صدر)
فما
يقع من أحدهم يغتفر بجانب ماله من الحسنات
العظيمة، كما في قصة حاطب لما وقع منه ما
وقع في غزوة الفتح غفر له بشهوده وقعة بدر
(حتى
إنهم يغفر لهم من السيئات ما لا يغفر لمن
بعدهم لأن لهم من الحسنات التي تمحو
السيئات ما ليس لمن بعدهم)
وقد
قال الله تعالى:
{إِنَّ
الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ}
[الآية
(114)
من
سورة هود].
ب
ـ أنهم تضاعف لهم الحسنات أكثر من غيرهم
ولا يساويهم أحد في الفضل، (وقد
ثبت بقول رسول الله أنهم خير القرون
[رواه
البخاري (3651)
ومسلم
(2513)
عن
ابن مسعود].
وأن
المد من أحدهم إذا تصدق به كان أفضل من
جبل أحد ذهبًا ممن بعدهم .
أخرجه
الشيخان وغيرهما، أحاديث عن أبي هريرة
وابن مسعود وعمران بن حصين:
(أن
رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال:
خير
القرون قرني ثم الذين يلونهم)
الحديث.
والقرون:
جمع
قرن.
والقرن:
أهل
زمان واحد متقارب اشتركوا في أمر من الأمور
المقصودة، ويطلق القرن على المدة من
الزمان.
ج
ـ كثرة مكفرات الذنوب لديهم فإنهم يتوفر
لهم من المكفرات ما لم يتوفر لغيرهم
(فإذا
كان قد صدر من أحدهم ذنب فيكون قد تاب منه،
أو أتى بحسنات تمحوه، أو غفر له بفضل
سابقته)
أي:
الأعمال
الصالحة التي أسبقها قبله (أو
بشفاعة محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ الذي
هم أحق الناس بشفاعته، أو ابتلي ببلاء في
الدنيا كفر به عنه)
أي:
امتحن
وأصيب بمصيبة محي عنه ذلك الذنب بسببها.
كما
في الصحيح أن رسول الله ـ صلى الله عليه
وسلم ـ قال:
(ما
يصيب المؤمن من وصف ولا نصب ولا غم ولا هم
ولا حزن حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله
بها من خطاياه)
متفق
عليه [رواه
البخاري (5641)
ومسلم
(2573)
عن
أبي هريرة وأبي سعيد.
والصحابة
أولى الناس بذلك].
(فإذا
كان هذا في الذنوب المحققة)
أي:
الواقعة
منهم فعلًا وأن لديهم رصيدًا من الأعمال
الصالحة التي تكفرها (فكيف
بالأمور التي كانوا فيها مجتهدين)
الاجتهاد:
هو
بذل الطاقة في معرفة الحكم الشرعي (إن
أصابوا فلهم أجران وإن أخطأوا فلهم أجر
واحد، والخطأ مغفور، كما سبق بيان دليل
ذلك قريبًا.