قال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله في شرحه لكتاب التوحيد(2/44-45) وعند شرحه على حديث أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاثٌ من كُنَّ فيه وجد بهنّ حلاوة الإيمان:... وذكر منها: وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذْ أنقذه الله منه كما يكره أن يُقذَف في النار":
كل
النّاس ينفرون من النار -
والعياذ
بالله-
لأنها
مؤلمة، ولا أحد يصبر على حرها، فكلٌّ
يفرُّ من النار ويبتعد عنها، والكفر نار،
والمسلم الذي منّ الله عليه بالإسلام
يكره أن يعود إلى الكفر، ويكره الرِّدّة
عن دين الإسلام، كما يكره أن يُلقى في
النار، هذا هو المؤمن حقًّا، الذي
تمكَّن الإيمان من قلبه فلا يساوِم عليه،
ولا يتنازل عن شيء منه أبداً مهما كلّفه
الأمر، بل يتمسّك بدينه.
لأنه
وجد حلاوة الإيمان ولذته.
أما
الذي يدّعي الإيمان ولكنه يتنازل عن
الإيمان-
أو
عن شيء منه-
من
أجل الخوف أو الطمع أو غير ذلك فهذا دليل
إما على عدم إيمانه أو على نقصان إيمانه
{وَمِنَ
النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ
فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللهِ جَعَلَ فِتْنَةَ
النَّاسِ كَعَذَابِ اللهِ}
،
أما المؤمن فإنه يصبر ولو ناله شيء من
المكاره، ولو حاول النّاس أن يصرفوه عن
دينه، أعطوه أموالاً، وأعطوه ما يعطونه،
أو حاولوا صرفه عن دينه، أو التنازل عن
دينه بالتخويف والتهديد بالقتل، والتهديد
بالتعذيب، فإنه يصبر، ولا يتنازل عن دينه
حتى يلقى الله سبحانه متمسِّكاً بدينه،
هذا هو المؤمن حقًّا.
وقوله:
"وأن
يكره أن يعود في الكفر بعد إذْ أنقذه الله
منه كما يكره أن يُقذَف في النار"
قالوا:
هذا
فيه دليل على أن المكره إذا صبر على الإكراه
وصبر على القتل أنه يكون من هذا النوع، ممّن
وجد حلاوة الإيمان، ولَمّا وجد حلاوة
الإيمان ما رضيَ أن يتنازل عنها أبداً.
ولهذا
جاء في قصة الرجلين اللذين مرَّا على صنم
لا يجوزه أحدٌ حتى يقرِّب إليه شيئاً،
"فقالوا
لأحدهما:
قرِّب"،
يعني:
اذبح
للصنم حتى نتركك تَمُر، "فقال:
ما
كنتُ لأقرّب لأحد شيئاً دون الله عزّ
وجلّ، فضربوا عنقه.
فدخل
الجنة"،
وقالوا للآخر:
قرِّب.
فقال:
ليس
عندي شيء أقَرِّب.
قالوا:
قرِّب
ولو ذباباً، فقرّب ذباباً فدخل النار".
الأول
أبى أنْ يذبح لغير الله، والثاني استجاب.
فالأول
قُتل ودخل الجنة، والثاني ذبح لغير الله،
فمر مع الطريق ودخل النار، لأنه رجع إلى
الكفر بعد إذْ أنقذه الله منه، أما الأول
فأبى أن يرجع إلى الكفر وصبر على القتل
فدخل الجنة، وهذا الإيمان إذا باشر القلب
ووجد حلاوته.