قال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله في شرحه لكتاب التوحيد(2/36-38): المحبة
نوعٌ من أنواع العبادة، بل هي أعظم أنواع
العبادة.
والمحبة-
كما
ذكر العلماء-
تنقسم
إلى قسمين:
القسم
الأول:
محبة
العبودية، وهذه يجب أن تكون خالصةً لله
عزّ وجلّ، ومحبة العبودية هي التي يكون
معها ذل للمحبوب.
وهذه
لا يجوز صرفها لغير الله، كما لا يجوز
السجود لغير الله والذبح لغير الله والنذر
لغير الله فإنه لا تجوز محبة غير الله
محبة عبودية يصحبها ذلٌّ وخضوع وطاعةٌ
للمحبوب، وإنما هذه حقٌّ لله سبحانه
وتعالى.
ويقول
العلماء في تعريف العبادة هي:
غاية
الذل مع غاية الحب.
فالعبادة
تترّكز على ثلاثة أشياء:
على
المحبة، وعلى الخوف، وعلى الرجاء.
فالمحبة
والخوف والرجاء هي ركائز العبادة وأساسها،
فإذا اجتمعتْ تحقّقت العبادة ونفعت
كالصلاة والحج وسائر العبادات، أما إذا
اختلّتْ هذه الثلاثة فإن الإنسان وإن صام
وإن صلى وإن حج فإنها لا تكون عبادته
صحيحة.
النوع
الثاني:
محبة
ليستْ محبة عبودية وهي أربعة أقسام:
القسم
الأول:
محبة
طبيعية كمحبة الإنسان للطعام والشراب
والمشتهيات المباحة، كالزوجة والملذات.
القسم
الثاني:
محبة
إجلال، كمحبة الولد لوالده غير المشرك
والكافر، فالولد يحب والده محبة إجلال
وتكريم واحترام لأنه والده المحسن إليه
والمربِّي له.
وهذه
محمودة ومأمور بها.
القسم
الثالث:
محبة
إشفاق، كمحبة الوالد لولده، فالوالد يحب
ولده محبة إشفاق.
القسم
الرابع:
محبة
مصاحبة، كأن تحب شخصاً من أجل مصاحبتك
له، إما لكونه زميلاً لك في العمل، أو
شريكاً في تجارة، أو صاحباً لك في سفر،
فأحببته من أجل المشاركة في شيء من الأشياء.
هذه
الأقسام ليستْ من أنواع العبادة، لأنها
ليس معها ذلّ، وليس معها خضوع.
وقوله
تعالى:
{وَمِنَ
النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ
اللهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ
اللهِ}
{وَمِنَ
النَّاسِ}
يعني:
المشركين،
{وَمِنَ
النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ}
أي:
غير
الله، {أَنْدَاداً}
الند
هو:
الشبيه
والنظير والعديل، سُمُّوا أنداداً لأنهم
ساووهم بالله، فصاروا أنداداً لله بمعنى:
شركاء
مساوين له في اعتقاد المشركين.
{يُحِبُّونَهُمْ
كَحُبِّ اللهِ}
أشركوهم
مع الله في محبة العبودية، فعبدوا الأصنام
والأوثان لأنهم يحبونها محبة ذل وانقياد
وخضوع وطاعة فأشركوا في أعظم أنواع
العبادة، وهو المحبة.
فالمشركون
يحبون الله لأنهم يعترفون بربوبيته وخلقه
لهم، فهم يحبونه، لكنهم لم يخلصوا محبتهم،
بل أشركوا معه آلهةً أخرى يحبونها مع الله
محبة عبودية وخضوع وذلُّ وتقرُّب إليها
بالعبادة.
هذا
هو الوجه الصحيح في تفسير الآية؛ أن
المشركين يحبون الله ويحبون معه غيره من
الأصنام والأوثان كما يحبُّون الله،
فيعادِلون بين محبة الله ومحبة الأصنام
ومحبة الأوثان.
ولا
يزال المشركون على هذا، فالذين يعبدون
القبور والأضرحة يحبُّونها، ولهذا يغارون
ويغضبون إذا قيل لهم إن هذه المعبودات
باطلة لا تُغني عنكم شيئاً، ولا تنفعكم
بل تضركم فهم يغضبون، بل قد يقاتلون دونها،
لأنهم يحبونها {كَحُبِّ
اللهِ}
أي:
كما
يحبون الله.
قال
الله تعالى:
{وَالَّذِينَ
آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ}
الذين
أخلصوا المحبة لله وهم المؤمنون، هؤلاء
أشدُّ حبًّا لله من محبة المشركين لله،
لأن محبة المؤمنين خالصة ومحبة المشركين
مشتركة، والمحبة الخالصة أشدُّ وأقوى من
المحبة المشتركة، وهذه المحبة هي التي
تنفع، أما محبة المشركين لله فإنها لا
تنفعهم ما داموا يحبون مع الله غيره فلم
يُخلصوا في محبتهم.
فدلت
هذه الآية الكريمة على أن المحبة نوعٌ من
أنواع العبادة، بل هي أعظم أنواع العبادة،
وأن من أحب مع الله غيره فيها فقد أشرك
بالله الشرك الأكبر واتّخذ هذا المحبوب
نِدًّا، أي:
شريكاً
مع الله ومعادِلاً لله ومساوِياً لله،
كما يقول أهل النار
يوم
القيامة لمن أشركوهم مع الله:
{تَاللهِ
إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (97)
إِذْ
نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ
(98)
} .