قال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله في شرحه لكتاب التوحيد(17-18) وعند شرحه على قول قتادة:
"خلق
الله هذه النجوم لثلاث:
زينة
للسماء، ورجوماً للشياطين، وعلامات
يُهتدى بها، فمن تأوّل غير ذلك أخطأ وأضاع
نصيبه، وتكلّفٌ ما لا علم له به"(1):
قتادة هو ابن دِعامة السدوسي، الإمام الجليل في التفسير والحديث وغيره.
"خلق الله هذه النجوم لثلاث "يعني: لثلاث حِكَم.
الفائدة
الأولى:
"زينة
للسماء"
كما
قال تعالى:
{وَلَقَدْ
زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا
بِمَصَابِيحَ}
لأنها
سُرُج تتلألأ، قال تعالى:
{إِنَّا
زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا
بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ (6)
} .
الفائدة
الثانية:
"رجوماً
للشياطين "وذلك
لأن الشياطين يحاولون استراق السمع من
الملائكة في السماء، وبأتون بما يسترقونه
إلى الكُهّان من بني آدم، ولكن الله جل
وعلا حفِظ السماء بهذه الشهب التي تنطلق
من هذه الكواكب فتُحرِق هذا المارد
فتُهلكه، خصوصاً عند بعثة محمد صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإنها حُرست
السماء بالشهب، كما قال تعالى عن الجن:
{وَأَنَّا
كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ
لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ
يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَصَداً (9)
وَأَنَّا
لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي
الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ
رَشَداً (10)
} ،
استغربوا هذه الحراسة وهذه الشهب، وكان
ذلك مُؤْذِناً ببعثة محمد صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولكن بقي من هذا شيء
لكنه قليل.
الفائدة
الثالثة:
"علامات
يُهتَدى بها"
قال
تعالى:
{وَأَلْقَى
فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ
بِكُمْ وَأَنْهَاراً وَسُبُلاً لَعَلَّكُمْ
تَهْتَدُونَ (15)
وَعَلامَاتٍ
وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (16)
} ،
فالله جعل للمسافرين علامات يستدلُّون
بها في الأرض وعلامات في السماء.
والعلامات
التي في الأرض:
السبل
والفِجاج والطرق التي جعلها الله في الأرض
والجبال والأعلام الواضحة، وأما في السماء
فهي:
النجوم
والشمس والقمر، فالنّاس يستدلُّون بسيرهم
في الطرق، ولاسيما في البحار التي ليس
فيها جبال وليس فيها علامات وكذلك في
الليل، يسيرون على النجوم، ينظرون إلى
النجوم ويعرفون بها الجِهات، فيسيرون
إلى الجهة التي يريدونها، وكذلك يُستدل
بهذه النجوم والشمس والقمر على القِبْلة
في الصلاة، لانهم إذا نظروا إلى هذه النجوم
عرفوا الجهات واهتدوا إلى جهة القبلة.
فهذا
من حكمة الله سبحانه وتعالى من خلق هذه
النجوم.
أما
من أراد أن يزيد على هذه الأمور الثلاثة
التي ذكرها الله في كتابه فكما قال قتادة:
"فمن
تأول غير ذلك أخطأ"،
لأن الله لم يخلقها لهذا، لأنه أراد أن
يحمِّلها شيئاً لم تُخلق من أجله، كأن
يعتقد فيها أنها تدلُّ على حوادث في الأرض،
أو هُبوب
رياح، أو نُزول مطر، أو موت أحد، أو حياة
أحد، أو توفيق في أمر، أو انخذال في أمر؛
فهذا كله من التقوَّل والتطاوُل، والخَرْص
والتخمين، وادّعاء لعلم الغيب الذي ما
أنزل الله به من سلطان.
والنجوم
لا تدلُّ على هذا لأنها لم تُخلق لهذا،
وإنما هذا يرجع إلى علاَّم الغيوب سبحانه
وتعالى.
فقوله:
تأوّل
فيها-
يعني:
اعتقد
فيها غير ذلك من هذه الأمور الثلاثة التي
دلّ عليها كتاب الله؛ فقد أخطأ.
"وأضاع
نصيبه"
يعني:
من
الدِّين، وهذا يقتضي أنه يكفُر.
"وتكلّف
ما لا علم له به"
لأن
هذه خَرْصٌ وتخمين وحَدْسٌ وظن لا يُغني من الحق شيئاً أبداً.
_____________
(1):صحيح
: رواه
البخاري معلقًا في كتاب بدء الخلق باب
النجوم وقال قتادة ((ولقد
زينا السماء الدنيا بمصابيح))
خلق
هذه النجوم لثلاث جعلها زينة للسماء
ورجوما للشياطين وعلامات يهتدى بها فمن
تأول فيها بغير ذلك أخطأ وأضاع نصيبه
وتكلف ما لا علم له به .
ووصله
الطبري في تفسير 7/571
قال
حدثنا بشر قال : حدثنا
يزيد قال : حدثنا
سعيد عن قتادة قوله ((وعلامات
وبالنجم هم يهتدون))
والعلامات
النجوم وإن الله تبارك وتعالى إنما خلق
هذه النجوم لثلاث خصلات :
جعلها
زينة للسماء وجعلها يهتدى بها وجعلها
رجوما للشياطين فمن تعاطى فيها غير ذلك
فقد رأيه وأخطأ حظه وأضاع نصيبه وتكلف ما
لا علم له به . ورواه
أيضا بنفس السند 12/166
في
تفسيره. ورواه
أيضًا أبو الشيخ في العظمة 4/1226
. وابن
أبي حاتم في تفسيره 11/186 .ويزيد
هو ابن زريع العيشى ، و قيل التيمى ، أبو
معاوية البصرى من رجال الصحيح ثقة ثبت .
وسعيد
هو سعيد بن أبى عروبة :
مهران
العدوى ، أبو النضر ، اليشكرى مولاهم ،
البصرى . واستقبح
واستعظم أبو زرعة تفسير سعيد عن قتادة .
لكن
قال أحمد : زعموا
أن سعيدا قال : لم
أكتب إلا
تفسير قتادة ، و ذلك أن أبا معشر كتب إلى
أن أكتبه ثم إن أثبت الناس عنه ابن زريع
. وأيضًا
قال أحمد بن حنبل: كل
شىء رواه يزيد بن زريع عن سعيد بن أبى
عروبة فلا تبالى أن لا تسمعه من أحد ،
سماعه من سعيد قديم ، وكان يأخذ الحديث
بنية . وزيادة
في الاطمئنان قال ابن حجر معلقاً على
الأثر في الفتح : وصله
عبد بن حميد من طريق شيبان عنه به.
وهذا
طريق آخر والحمد الله .((عون المجيد في تخريج كتاب التوحيد)).