قال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله في شرحه لكتاب التوحيد(1/275): قال
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"إنما
أنا عبد، فقولوا:
عبد
الله ورسوله".
"إنما"
هذه
كلمة حَصْر، أي:
أن
شأني ومكانتي أنني عبد الله سبحانه وتعالى،
ليس لي من الربوبية شيء، والعبد لا يُغلى
فيه ويُطرى، ويُرفع فوق منزلته.
"فقولوا:
عبد
الله ورسوله"
أرشدنا
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى
أن نقول فيه الكلام الواقع واللاّئق به
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو
أنه عبد الله ورسوله.
فدلّ
هذا على أنه يُمدح صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بصفاته من غير زيادة ومن غير
نقص، وهي:
العبودية
والرسالة، والله جل وعلا وصف محمّداً
بأنه عبد في كثير من الآيات، في مقام
التنزيل قال تعالى:
{الْحَمْدُ
لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ
الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا
(1)
} ،
{تَبَارَكَ
الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى
عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ
نَذِيراً (1)
} ،
وفي مقام الإسراء قال تعالى:
{سُبْحَانَ
الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً
مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى
الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى}
،
والمعراج في قوله:
{ثُمَّ
دَنَا فَتَدَلَّى (8)
فَكَانَ
قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9) فَأَوْحَى
إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى (10)
} ،
وفي مقام التحدّي وصفه الله بالعبودية
قال تعالى:
{وَإِنْ
كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا
عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ
مِّنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ
مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ
(23)
} .
ففي
قوله:
"عبد
الله"
ردٌّ
على الغلاة الذين يغلون في حقه صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وفي
قوله:
"رسوله"
ردٌّ
على المكذبين الذين يكذّبون برسالته
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
والمؤمنون يقولون:
هو
عبد الله ورسوله.
هذا
وجه الجمع بين هذين اللّفظين، أن فيهما
رداً على أهل الإفراط وأهل التفريط في
حقه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وفيه:
ردٌّ
على الذين غلو في مدحه صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أصحاب القصائد،
كقصيدة البُردة والهمزية وغيرهما من
القصائد الشركية التي غلت في مدحه صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حتى قال
البوصيري:
يا
أكرم الخلق ما لي من ألوذ به ...
سواك
عند حلول الحادث العمم
فنسي
الله سبحانه وتعالى.
ثم
قال:
إن
لم تكن في معادي آخذاً بيدي ...
فضلاً
وإلاّ قل يا زلة القدم
يعني:
ما
ينجيه من النار يوم القيامة إلاّ الرسول.
ثم
قال:
فإن
من جودك الدّنيا وضرّتها ...
ومن
علومك علم اللّوح والقلم
الدّنيا
والآخرة كلها من جود النبي صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أما الله فليس له
فضل، هل بعد هذا الغلو من غلو؟؟.
واللّوح
المحفوظ والقلم الذي كتب الله به المقادير
هذا بعض علم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، ونسي الله تماماً-
والعياذ
بالله-.
وكذلك
من نهج على نهج البردة ممن جاء بعده،
وحاكاه في هذا الغلو، هذا كله من الغلو
في مدح النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ ومن الإطراء.
أما
المؤمنون فيمدحون الرسول صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بما فيه من الصفات
الحميدة والرسالة والعبودية،
كما أرشد إلى ذلك النبي صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كما عليه شعراء
الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الذين مدحوه وأقرّهم، مثل:
حسّان
بن ثابت، وكعب بن مالك، وكعب بن زُهير،
وعبد الله بن رواحة، وغيرهم من شعراء
الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الذين مدحوه بصفاته صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وردوا على الكفّار
والمشركين.
هذا
هو المدح الصحيح المعتدل، الذي فيه الأجر
وفيه الخير، وهو وصفه صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بصفاته الكريمة من
غير زيادة ولا نُقصان.