الخميس، 5 ديسمبر 2013

إذا كان المسيح عليه السلام ليس له حق في العبادة، ومحمد صلى الله عليه وسلم ليس له حق في العبادة، وجميع الرسل، فكيف بغيرهم من الأولياء والصالحين؟!

قال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله في شرحه لكتاب التوحيد(1/273): وعند شرحه على حديث عمر: أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله" أخرجاه:
"لا تُطْروني" هذا نهي منه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الإطراء في حقهّ.
"لا تُطروني" يعني: لا تزيدوا في مدحي.
"كما أطرت النصارى ابن مريم" النصارى المراد بهم: أتباع عيسى عليه السلام.
وكيف أطرت النصارى ابن مريم؟
 قالوا: إنه ابن الله، أو هو الله، أو ثالث ثلاثة. ولا يزالون على هذه المقالة إلى الآن، في إذاعاتهم، وفي كتاباتهم.
فسبب وقوعهم في هذا الكفر هو: الغلو- والعياذ بالله-، لأنهم لم يرتضوا أن يصفوا عيسى بأنه عبد الله ورسوله، وإنما زادوا وقالوا: إنه ابن الله جاء ليخلّص النّاس من الخطيئة، وقُتل وصُلب من أجل أن يخلّص النّاس من الخطيئة، ثمّ بعد قتله وصلبه قام وصعد إلى السماء.
وهذا كذب مَحْضٌ، كذبه الله وردّه بقوله: {وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ} ، فالذي قُتل وصُلب هو شخص غير المسيح، ألقى الله شبه المسيح عليه، فقُتل وصُلب، أما المسيح فإنه رفعه الله إليه، ولهذا لم يجزموا أن الذي قتلوه هو المسيح: قال تعالى: {وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ} .
فالحاصل؛ أن هذا هو غلو النصارى، أنهم مدحوا المسيح ورفعوه فوق منزلته، حتى عبدوه من دون الله، وادّعوا فيه الربوبية بسبب الغلو، وعيسى عليه السلام يقول: {إِنِّي عَبْدُ اللهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً * وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً (31) } ، وفي يوم القيامة يتبرّأ من هؤلاء: {وَإِذْ قَالَ اللهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ} ، فالعبادة حق الله ليست حقاً لمخلوق، {مَا يَكُونُ لِي} ما ينبغي ولا يليق ولا يصح {أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ} لأن العبادة حق لله سبحانه وتعالى، ثمّ ردّ ذلك إلى الله {إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ} ، والله يعلم سبحانه وتعالى أن عيسى لم يقل هذه المقالة، وإنما هذا من باب التوبيخ لهؤلاء، ثمّ قال: {مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (117) إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (118) قَالَ اللهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ} هذا تصديق للمسيح عليه السلام على رؤوس الأشهاد يوم القيامة، حينما يجتمع الأولون والآخرون يوم القيامة، فهذا مآلهم -والعياذ بالله-، وهذا موقف المسيح - عليه الصلاة والسلام- في الدنيا والآخرة أنه عبد الله ورسوله، ليس له من الربوبية شيء، ولا يستحق من العبادة شيئاً، وإنما العبادة حق لله سبحانه وتعالى وحده لا شريك، وإذا كان المسيح ليس له حق في العبادة، ومحمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليس له حق في العبادة، وجميع الرسل، فكيف بغيرهم من الأولياء والصالحين.