قال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله في شرحه لكتاب التوحيد(1/276-277): كل
أحد يريد النجاة من غير أن يسلك طريقها
فإنه هالك، لا نجاة إلاّ بإتباع الرسول
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
مهما كلّف الإنسان نفسه إذا خالف منهج
الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فإنه غالٍ وهالك، وهو مشابه لمن كان قبلنا
من الغلاة.
ففي
هذا:
التحذير
من الغلو في العبادات، والغلو في الأشخاص،
والغلو في كل شيء، فالغلو في كل شيء ممنوع،
والمثل يقول:
"كل
شيء جاوز حدّه انقلب إلى ضده"،
كل غلو فهو طريق هلاك، وإنما طريق النجاة
هو الاعتدال والاستقامة:
{فَاسْتَقِمْ
كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلا
تَطْغَوْا}
.
وما
هلكت الخوارج والمعتزلة وعلماء الكلام
إلاّ بسبب غلوهم.
فالخوارج
عندهم عبادة عظيمة، حتى إن الصحابة يحقرون
صلاتهم إلى صلاتهم، وعندهم قراءة للقرآن
كثيرة، لكنهم لم يقتصروا على المشروع،
زادوا -والعياذ
بالله-
حتى
هلكوا، وكل من فعل هذا فإنه يهلك، والتجربة
موجودة، وما وصل أحد من المتنطّعين والغلاة
إلى النتيجة المطلوبة أبداً، وإنما يكون
سبيلهم الهلاك في الدّنيا والآخرة.
فهذا
مما يحذّر منه في هذا الزمان، لأن ظاهرة
الغلو والتّنطع كثرت إلاّ من رحم الله
عزّ وجلّ، وذلك لما فشا الجهل في الناس
جاء الغلو وجاءت المخالفات بتزيين شياطين
الإنس والجن.
فالواجب
علينا أن نحذر من هذا، وأن نلزم طريق
الاستقامة في كل شيء.
أما
المعتزلة فغلوا في تنزيه الله، حتى نفو
صفات الله التي وصف بها نفسه.
والممثلة
غلوا في إثبات الصفات، حتى شبّهوا الخالق
بالمخلوق، فغلو في ذلك، فَضَلّوا -والعياذ
بالله-.
وأهل
السنّة والجماعة توسطوا؛ فأثبتوا لله
الأسماء والصفات كما جاءت، تنزيهاً بلا
تعطيل، هذا نفي للغلو في التنزيه، وإثباتاً
بلا تمثيل، هذا نفي للغلو في الإثبات،
فهم توسطوا.
أما
المعتزلة فهم غلوا في التنزيه حتى نفو
الصفات.
والممثلة
غلو في الإثبات حتى شبهوا الله بخلقه،
تعالى الله عما يقولون.
والخوراج
والمعتزلة غلوا في الأمر بالمعروف والنهي
عن المنكر، حتى خرجوا على أئمة المسلمين،
ومن أصولهم:
الأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر، بمعنى:
الخروج
على الأئمة.
والأمر
بالمعروف والنهي عن المنكرمطلوب، ولكن
في حدود الشريعة، قال صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"من
رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم
يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه"
فجعل
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مراتب
حسب الاستطاعة، ولم يأمر بالخروج على
الولاة، ونقض البيعة، والتفريق بين
المسلمين، وهذه طريقة المعتزلة والخوراج.
والخوارج
خرجوا على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب
رضي الله عنه، وانتهى بهم الأمر إلى أن
قتلوه رضي الله عنه، هذا كله بسبب الغلو،
بزعمهم أنهم يأمرون بالمعروف وينهون عن
المنكر، فسبب لهم هذا الهلاك، وهذا مصداق
قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
"فإنما
أهلك من كان قبلكم الغلو".
فالغلو
هلاك في الدّنيا، وهلاك في الآخرة، ولا
يأتي بخير أبداً، ودين الله بيّن الغالي
فيه والجافي عنه، دين الله وسط:
{وَكَذَلِكَ
جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً}
،
وسط بين الغلو وبين الجفاء، وهذه الأمة
عدول خيار، ليس فيهم غلو، وليس فيهم جفاء،
وإنما فيهم الاعتدال، هذا هو طريق النجاة
دائما وأبداً.