قال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله في شرحه لكتاب التوحيد(1/47-49) وعند شرحه على حديث معاذ وفيه: "وحق العباد
على الله:
أن
لا يعذب من لا يشرك به شيئاً":
قوله: "أن
لا يعذب من لا يشرك به شيئاً"
دلّ
هذا على أن من سَلِم من الشرك الأكبر
والأصغر فإنه يسلم من العذاب، وهذا إذا
جَمعته مع النصوص الأخرى التي جاءت بالوعيد
على العُصاة والفسقة، فإنك تقول:
العُصاة
من الموحّدين الذين لم يشركوا بالله
شيئاً، ولكن عندهم ذنوب دون الشرك من
سرقة، أو زنا، أو شرب خمر، أو غيبة، أو
نميمة أو، إلى آخره، فهذه ذنوب يستحق
أصحابها العذاب، ولكن هي تحت مشيئة الله
إن شاء الله غفر لهم من دون عذاب وأدخلهم
الجنة، وإن شاء عذبهم بقدر ذنوبهم، ثم
يخرجهم بتوحيدهم، ويدخلهم الجنة،
فالموحّدون مآلهم إلى الجنة، إما ابتداءً
وإما انتهاءً، وقد جاء في الأحاديث أنه
يُخرج من النار من في قلبه أدنى مثقال حبة
من خردل من إيمان، ويُخرج من النار أُناس
كالفحم، قد
امتحشوا،
ثم يُنبت الله أجسامهم بأن يُلقوا في نهر
على باب الجنة، يُقال له نهر الحياة،
فتنبت أجسامهم، ثم يدخلون الجنة،
ويُخَلَّدون فيها، فأهل التّوحيد مآلهم
إلى الجنة، حتى ولو عذبوا في النار فإنهم
لا يخلدون فيها وذلك بسبب التّوحيد، أما
الكفار والمشركون والمنافقون النفاق
الأكبر، فهؤلاء مآهلم النار خالدين
مخلَّدين فيها، لا يدخلون الجنة أبداً
{لا
تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ
وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى
يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ
وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ}
.
فقوله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"أن
لا يعذب من لا يشرك به شيئاً"
هذا
وعد من الله سبحانه وتعالى؛ إن شاء غفر
هذه الذنوب، وإن شاء عذب أصحابها، ثم
يدخلهم الجنة بعد ذلك، وقد يخرجهم الله
من النار بشفاعة الشافعين، وقد يخرجهم
برحمته سبحانه وتعالى، فحتى ولو عذَّبوا
مآلهم إلى الجنة {إِنَّ
اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ
وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ
يَشَاءُ}
،
فالتّوحيد يَعصم من الخلود في النار،
وإذا كان التّوحيد كاملاً فإنه يَعصم من
دخول النار أصلاً، وإذا كان ناقصاً فإنه
يَعصم من الخلود فيها، ولا يعصم من الدخول
فيها، وإنما يَعصم من الخلود فيها، كما
قال-
تعالى-
لما
ذكر مناظرة إبراهيم الخليل عليه السلام
مع عَبَدَة الأصنام قال:
{أَيُّ
الْفَرِيقَيْنِ}
،
المؤمنون أو المشركون، {فَأَيُّ
الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِنْ
كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}
قال
الله-
تعالى-:
{الَّذِينَ
آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ
بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ
وَهُمْ مُهْتَدُونَ}
،
هؤلاء هم أهل التّوحيد، {وَلَمْ
يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ}
يعني:
بشرك،
ولهذا لما نزلت هذه الآية شقَّتْ على
الصحابة وقالوا:
أيُّنا
لم يظلم نفسه؟، فقال صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"ليس
الذي تَعْنُون، إنه الشرك، ألم تسمعوا
قول العبد الصالح:
{إِنَّ
الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}
،
فالمراد بالظلم هنا:
الشرك،
فالذين سلِموا من الشرك لهم الأمن، إما
الأمن المطلق، وإما مطلق الأمن، والأمن
المطلق هو الذي ليس معه عذاب، وأما مطلق
الأمن فهذا الذي قد يكون معه شيء من العذاب
على حسب الذنوب، فالحاصل:
أن
أهل التّوحيد لهم الأمن بلا شك، ولكن قد
يكون أمناً مطلقاً، وقد يكون مطلق أمنٍ،
هذا هو الجواب الصحيح عن هذه المسألة.
بخلاف
مذهب الخوارج والمعتزلة، فعندهم أن أصحاب
الكبائر مخلّدون في
النار والعياذ
بالله، من هذا المذهب الباطل، فعندهم أن
من دخل النار لا يخرج منها بزعمهم،
ويغالطون النصوص الصحيحة من الكتاب والسنة
التي تدل على أن أهل التّوحيد ولو كان
عندهم ذنوب ومعاص فإنهم لا يخلدون في
النار، قال الله سبحانه وتعالى:
{ثُمَّ
أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ
اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا}
يعني:
هذه
الأمة، والمراد بالكتاب:
القرآن،
{فَمِنْهُمْ
ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ
وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ
بِإِذْنِ اللهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ
الْكَبِيرُ (32)
جَنَّاتُ
عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا}
،
انظروا كيف ذكر الظالم لنفسه مع المقتصد
ومع السابق بالخيرات، ووعدهم جميعاً
بالجنة:
{جَنَّاتُ
عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ
فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ
وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا
حَرِيرٌ (33)
وَقَالُوا
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ
عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ
شَكُورٌ (34)
الَّذِي
أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ
فَضْلِهِ لا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ
وَلا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ (35)
} ،
ذكر منهم الظالم لنفسه-
بل
بدأ به-؛
مما يدل على أن أهل التّوحيد يرجى لهم
الخير، ويرجى لهم دخول الجنة، ولو كان
عندهم ذنوب كبائر دون الشرك.