قال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله في شرحه لكتاب التوحيد(1/265-267): في
الصحيح "عن
ابن عباس رضي الله عنه في قول الله تعالى"
يعني:
في
تفسير قوله تعالى:
" {وَقَالُوا
لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ
وَدّاً وَلا سُوَاعاً وَلا يَغُوثَ
وَيَعُوقَ وَنَسْراً (23)
} "،
قال:
هذه
أسماء رجال صالحين من قوم نوح ...
إلخ"
قوم
نوح لما نهاهم نبي الله نوح-
عليه
الصلاة والسلام-
عن
الشرك وأمرهم بعبادة الله وحده لا شريك
له؛ تواصوا فيما بينهم بهذه الوصية
الكافرة:
"وقالوا
لا نذرن آلهتكم"
يعني:
لا
تطيعوا نوحاً عليه السلام، لا تتركوا
آلهتكم التي تعبدونها من دون الله.
" {وَلا
تَذَرُنَّ وَدّاً وَلا سُوَاعاً وَلا
يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً}
" هذه
أسماء رجال صالحين، وكان هذا في الأوّل،
لأن النّاس كانوا بعد آدم عليه السلام
على دين التّوحيد-
كما
قال ابن عباس-،
كانوا على دين التّوحيد دين أبيهم آدم-
عليه
الصلاة والسلام-
عشرة
قرون، وكان هؤلاء الصالحون في هذا العهد-
عهد
التّوحيد-،
فلما ماتوا -
ويُروى:
أنهم
ماتوا في سنة واحدة-
حزنوا
عليهم حزناً شديداً، وبكوا عليهم، فاستغل
الشيطان-
لعنه
الله-
هذه
العاطفة فيهم، وأشار عليهم بمشورة ظاهرها
النصح، وباطنها الخديعة والمكر، أشار
عليهم بأن يصوّروا تماثيلهم، يعني:
يجعلوا
لهم صوراً على شكل تماثيل، كل واحد له
صورة، وأن ينصبوا هذه التماثيل على مجالسهم؛
من أجل أن ينشطوا على العبادة، إذا رأوهم
تذكّروا حالتهم فنشطوا على العبادة، فهو
جاءهم من باب النصح، وأشار عليهم بمشورة
ظاهرها الخبر، وأن هذه وسيلة للنشاط على
العبادة، والتقوى، والصلاح، والإقتداء
بهؤلاء، إذا رأوا صورهم تذكّروا صلاحهم
وحالتهم فاقتدوا بهم، هذا ظاهر نصيحته،
ولكنه في الباطن يمكر بهم، لأنه يرمي إلى
مرمى بعيد-
لعنه
الله-،
ينظر إلى العواقب، إلى الأجيال القادمة،
يؤسس هذا الأساس للأجيال القادمة، وإلاَّ
فإنه يعرف أن هؤلاء-
ما
دام العلم موجوداً، وما دام أنهم على
التّوحيد-
لن
يتركوا عبادة الله عزّ وجلّ، فقبلوا هذه
المشورة لأن ظاهرها أنها خير، وابتدعوا
هذه البدعة.
وهذا
دليل على أن البدع لا تجوز وإن كان ظاهرها
الخير، وإن كانت نيّة أصحابها الخير.
ابتدعوا
هذه البدعة، وصوّروا هذه التماثيل على
مجالس هؤلاء الصالحين ولم تُعبد في هذا
الجيل، لأنهم على علم وعلى دين، لكن لما
مات هذا الجيل، ونُسي العلم-
وفي
رواية:
نُسِخ
العلم بموت العلماء-،
لأن الشيطان لا يتسلّط-
في
الغالب-
مع
وجود العلماء، لأن العلماء يكافحونه،
ويردّون كيده، إنما يتسلّط عند عدم
العلماء.
"حتى
إذا هلك أولئك، ونُسي العلم"
يعني:
بموت
العلماء الذي يحذّرون من الشرك، "عُبدت"
هذه
الصور لأن الشيطان قال لهم:
إن
آباءكم ما نصبوا هذه الصور إلاّ من أجل
أن يتقرّبوا إليها، ويسقون بها المطر،
فصدّقوه في هذا.
ومقالته
لهذا الجيل المتأخِّر تخالف مقالته للجيل
السابق، هذا من باب المكر، فصدّقوه في
هذا فعبدوهم، ومن حينها حدث الشرك في
الأرض، وغُيّر دين آدم -
عليه
الصلاة والسلام-
فبعث
الله نبيّه نوحاً عليه السلام أول الرّسل.
وهذا
أول شرك حدث في الأرض، وسببه هو الغلو في
الصالحين ثمّ بعث الله
نبيّه
نوحاً عليه السلام ينهى عن ذلك، ويريد
ردّهم إلى التّوحيد، ولكن لم يؤمن معه
إلاّ القليل كما قال الله سبحانه وتعالى:
{وَقَالُوا
لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ}
،
كما قال كفّار قريش لما نهاهم محمّد صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الشرك:
{وَانْطَلَقَ
الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا
وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ}
،
لا تطيعوا محمّداً فدين المشركين واحد
من قديم الزمان وحديثه.