قال
الشيخ صالح الفوزان حفظه الله في شرحه
لكتاب التوحيد(1/286-287):
وعند
شرحه على قول المؤلف:
عن
عائشة قالت: لما
نزل برسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ؛ طَفِق يطرح خميصة له على
وجهه، فإذا اغتمَّ بهاكشفها، فقال- وهو
كذلك-(
لعنةُ
اللهِ على اليهودِ والنصارى، اتخذوا
قبورَ أنبيائِهم مساجدَ )
. يحذِّر
ما صنعوا، ولولا ذلك أُبرز قبره، غير أنه
خشي أن يتخذ مسجداً.
أخرجاه:
"لما
نُزل برسول الله" يعني: نزل
به الموت -عليه
الصلاة والسلام-.
"طَفِقَ"
طَفِقَ:
من
أفعال الشروع عند أهل اللغة، أي:
جعل
يفعل كذا.
"يطرح
خميصة"
أي:
يضعها،
والخميصة:
كساء
له أعلام، أي فيه خطوط.
"على
وجهه"
يغطّي
وجهه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بها وهو في هذه الحالة.
"فإذا
اغتم بها"
أي:
ضيّقت
نفسه-
عليه
الصلاة والسلام-.
"كشفها"
من
أجل أن يتنفّس.
"فقال-
وهو
كذلك-"
يعني:
في
هذه الحالة الحرجة، لم يشتغل عن الدعوة
إلى التّوحيد، وإنكار الشرك، ونصيحة
الأمة، صلوات الله وسلامه عليه.
والمناسبة:
أنه
لما شعر بالموت خشي على أمته أن تفعل عند
قبره ما فعل من قبلها من الأمم عند قبور
الأنبياء والصالحين، فلم يترك الفرصة
تذهب، وإنما استغلها بالنصيحة للأمة-
عليه
الصلاة والسلام.
فإذا
كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يحذّر من الشرك وهو في هذه
الحالة، فهذا دليل على أن التحذير من
الشرك أمر متعيّن، وأنه يجب على الدعاة
أن يهتموا بهذا الأمر اهتماماً بالغاً
قبل غيره، قبل أن يحثوا النّاس على الصلاة
والصيام، وترك الربا، وترك الزنا، وترك
شرب الخمر، قبل ذلك ينهوهم عن الشرك،
لاسيّما إذا كان واقعاً في الأمة، فالسكوت
عنه من الغش للأمة، فلابد أن يُبدأ به،
وأن يُعمل على إزالته قبل كل شيء، لأنه
إذا صلحت العقيدة صلحت بقية الأعمال.
أما
إذا فسدت العقيدة فلا فائدة في الأعمال
كلها، ولو ترك الربا، وتصدق بماله، وصلى
الليل والنهار، وصام الدهر، وحج، واعتمر،
وعنده شيء من الشرك الأكبر، فإن أعماله
تكون هباءً منثوراً، لا فائدة منها، أما
إذا كان موحّداً خالياً من
الشرك،
فلو وقع في الكبائر، ولو وقع في الزنا،
ووقع في الربا، ووقع في المحرمات التي
دون الشرك، فإنه يُرجى له المغفرة، وإن
عذب بذنوبه فإنه لا يخلد في النار وهو
مؤمن موحد، حكمه حكم المؤمنين، ولابد له
من دخول الجنة بتوحيده وإيمانه، وإن كان
ضعيفاً، أما إذا كان عنده شرك أكبر، فهذا
لا فائدة في أعماله، لو ترك المحرمات
كلها، وأدى الواجبات كلها ولم يتجنب
الشرك، فإنه لا فائدة في أعماله كلها.
فكيف
إذاً نهتم بجوانب فرعية، أو جوانب جزئية،
ونترك هذا الأمر الخطير يعجّ في جسم الأمة
الإسلامية، ولا نحذّر منه، ولا ندعو إلى
تركه، ولا نسعى في إزالته عن الأمة؟؟ بحجة
أننا نريد أن نجمع الأمة كما يقولون.
هذا
هو صميم الدعوة، هذا هو الذي جاءت الرسل
من أولهم إلى آخرهم للتحذير منه، كل رسول
يقول لقومه:
{وَاعْبُدُوا
اللهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً}
،
لأن العبادة لا تنفع مع وجود الشرك، فهذا
أمر عظيم.