قال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله في شرحه لكتاب التوحيد(1/204-205) وعند شرحه على قول الله تعالى:{أَيُشْرِكُونَ مَا لا يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ (191) وَلا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً} الآية. : الذي
يقدر على الخلق هو الذي يستحق العبادة،
أما الذي لا يقدر على الخلق فهذا لا يستحق
العبادة، كما قال تعالى:
{يَا
أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ
الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ
قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21)
الَّذِي
جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشاً
وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ
السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ
الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا
تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ
تَعْلَمُونَ (22)
} لا
تجعلوا لله شركاء وأنتم تعلمون أن هذه
الشركاء لا تقدر على خلق شيء، ولا على
رَزْق، ولا على إحياء، ولا إماتة، فهي
عاجزة، وكما في قوله تعالى:
{أَفَمَنْ
يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا
تَذَكَّرُونَ (17)
} ،
فالذي يستحق العبادة هو الخالق، أما الذي
لا يقدر على الخلق فهذا عاجز لا يستحق
العبادة، فكيف يُسَوَّى العاجز بالقادر؟،
كيف يُسَوَّى المخلوق بالخالق سبحانه
وتعالى؟:
{وَالَّذِينَ
يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لا يَخْلُقُونَ
شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ (20)
أَمْوَاتٌ
غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ
أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (21)
} ،
وقال تعالى في تعجيز المشركين وآلهتهم:
{يَا
أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ
فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ
تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَنْ يَخْلُقُوا
ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ
يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لا
يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ
وَالْمَطْلُوبُ (73)
} ،
فهذه المعبودات بجميع أنواعها سواءً كانت
أحجاراً، أو أشجاراً، أو قبوراً وأضرحة،
أو ملائكة، أو أنبياء، أو صالحين من
المؤمنين، كلهم يدخلون تحت هذا الوصف؛
لا يقدرون على خلق شيء، لأن المخلوق لا
يستطيع أن يخلق، فكيف يُتخذ معبوداً مع
الله سبحانه وتعالى؟.
وفي
هذه الآية يقول:
" {لا
يَخْلُقُ شَيْئاً}
" وشيئاً
نَكِرَة في سياق النفي تَعُم، يعني:
لا
يخلقون أي شيء ولو كان قليلاً، ولو يجتمع
العالم كله بما فيهم المَهَرة والصنّاع
والمهندسون والأطباء، ويُطلب منهم أن
يخلقوا حبة شعير ما استطاعوا.
ثم
قال:
" {وَهُمْ
يُخْلَقُونَ}
" أي:
هذه
المعبودات التي تعبدونها مخلوقات لله
سبحانه وتعالى:
فهم
لم يخلقوا أنفسهم، ولم يخلقوا غيرهم،
فكيف تتّخذونهم مع الخالق سبحانه وتعالى؟،
هل هذا إلاّ من باب المكابرة، ومن باب
العِناد.
فالذي
يُشرك بالله أيًّا كان هذا الشيء قد قامت
عليه هذه الحجة في أن هذا المعبود عاجز،
لكن أين العقول التي تفكِّر؟، هؤلاء الذين
يزعمون أنهم مفكِّرون، وأنهم مَهَرَة،
وأنهم مثقفون، وأنهم..
وأنهم،
تجدهم يخضعون للقبور، ويعبدون الأموات،
ويذبحون لها، وينذرون لها، ويستغيثون
بها، وهم يسمعون هذا القرآن.ثم قال سبحانه وتعالى: {وَلا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً} أي: هذه المعبودات وهذه الأصنام لا تملك نصراً لمن دعاها، إذا وقع المشرك في كُربة، أو في ضيق، أو في مرض، لا يستطيع أحد من الخلق أن يُنقذه إلاّ بإذن الله: {وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إلاّ إِيَّاهُ} ، {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ (62) } ، {قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ} ، وهنا يقول: " {وَلا يَسْتَطِيعُونَ} " لا يملك المعبودون " {لَهُمْ} " للعابدين {نَصْراً} عندما يتسلط عليهم عدو، أو يتسلط عليهم سَبُع، أو يتسلط عليهم خوف، فإنها لا تستطيع هذه المعبودات أن تنصرهم على عدوهم، {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ} ، {وَمَا النَّصْرُ إلاّ مِنْ عِنْدِ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} فالنصر من الله سبحانه وتعالى، ولو كانت هذه المعبودات تُغني عن المشركين شيئاً ما انهزموا في بدر، ولا انهزموا في الأحزاب، ولا انهزموا يوم فتح مكة، وفي يوم حنين، وأما المؤمنون فالله نصرهم سبحانه وتعالى، وهم قِلّة، كانوا في بدر ثلاثمائة وبضعة عشر، والمشركون يزيدون على الألف، والمسلمون ليس معهم عُدّة ولا سلاح إلاّ قليل، والمشركون مُدَجَّجُون بالسلاح: {قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ (13) } ، حتى الشيطان لما تراءى الجمعان قال: {إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لا تَرَوْنَ} ، أما الله جل وعلا فكان مع أوليائه، وكان مع عباده، فنصرهم على عدوّهم مع قلّة عددهم وضعف عُددهم، والمشركون لم يجدوا من ينصرهم، أين ذهبت آلهتهم؟
" {وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ} "أي: هذا المعبود الضعيف إذا نزل به آفة لا يستطيع أن يُنقذ نفسه، فكيف ينقذكم؟
هذا الميت المقبور المدفون لا يستطيع أن يتخلص من الموت ومن القبر ومما هو فيه، مشغول عنكم بنفسه؛ إما في عذاب وإما في نعيم، لا يسمع دعاءكم.
وهذه الأشجار والأحجار التي تعبدونها جمادات لا تستطيع نصركم ولا تنصر نفسها، الصنم الكبير يحطمه الطفل ولا يستطيع أن ينصر نفسه، يقع عليه الذباب ويقذِّره ولا يستطيع أن يَنْفي عن نفسه، الذباب الضعيف: {وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ} .
يُروى أن بعض المشركين له صنم، فجاء الثعلب وبال عليه، فلما رآه عابده فكّر وقال:
أرب يبول الثعلبان برأسه ... لقد هان من بالت عليه الثعالب
فعند ذلك فكّر وترك عبادة الأصنام.
ويدخل في هذه الآية كل ما عُبد من دون الله من الملائكة، والأنبياء، والصالحين، والأشجار، والأحجار، كلها مخلوقات ضعيفة، لا تستطيع أن تنصر نفسها، فكيف تنصر غيرها؟
" {وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ} "أي: هذا المعبود الضعيف إذا نزل به آفة لا يستطيع أن يُنقذ نفسه، فكيف ينقذكم؟
هذا الميت المقبور المدفون لا يستطيع أن يتخلص من الموت ومن القبر ومما هو فيه، مشغول عنكم بنفسه؛ إما في عذاب وإما في نعيم، لا يسمع دعاءكم.
وهذه الأشجار والأحجار التي تعبدونها جمادات لا تستطيع نصركم ولا تنصر نفسها، الصنم الكبير يحطمه الطفل ولا يستطيع أن ينصر نفسه، يقع عليه الذباب ويقذِّره ولا يستطيع أن يَنْفي عن نفسه، الذباب الضعيف: {وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ} .
يُروى أن بعض المشركين له صنم، فجاء الثعلب وبال عليه، فلما رآه عابده فكّر وقال:
أرب يبول الثعلبان برأسه ... لقد هان من بالت عليه الثعالب
فعند ذلك فكّر وترك عبادة الأصنام.
ويدخل في هذه الآية كل ما عُبد من دون الله من الملائكة، والأنبياء، والصالحين، والأشجار، والأحجار، كلها مخلوقات ضعيفة، لا تستطيع أن تنصر نفسها، فكيف تنصر غيرها؟