السبت، 14 ديسمبر 2013

الإنسان إذا سُئل عن علم لا يعلمه أو عن مسألة وهو لا يعرفها، لا يحمله الأنفة بأن لا يقول: لا أدري بل يقول: لا أدري، أو يقول: الله أعلم

قال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله في شرحه لكتاب التوحيد(1/43-44): -قول معاذ حينما كان رديف النبي صلى الله عليه وسلم على حمار وسأله النبي: يا معاذ، أتدري ما حق الله على العباد، وما حق العباد على الله؟: "قلت: الله ورسوله أعلم"-: هذا فيه: تأدب طالب العلم في أنه إذا سُئل عن شيء وهو لا يعرفه، أن يقول: الله ورسوله أعلم، ولا يدخل ويَتَخَرَّص في شيء لا يعرفه، بل يَكِلُ العلم إلى عالِمه، هذه- أيضاً- من طرق التعلُّم الناجحة، هي: أن الإنسان إذا سُئل عن علم لا يعلمه أو عن مسألة وهو لا يعرفها، لا يحمله الأنفة بأن لا يقول: لا أدري، بل يقول: لا أدري، أو يقول: الله أعلم، ولا غَضَاضة عليه في ذلك، بل هذا يدل على فضله وورعه وأدبه مع الله سبحانه وتعالى، وأدبه مع المعلم.
وقد سُئل الإمام مالك عن أربعين مسألة، فأجاب عن أربع مسائل منها، وقال عن البقيّة: لا أدري، فقال السائل: جئتك من بلاد كذا وكذا أسألك عن مسائل، وتقول لا أدري؟ فقال له: اركب راحلتك واذهب إلى البلد الذي جئت منه، وقل: سألت مالكاً وقال: لا أدري. هكذا أدب العلماء.
وهذا معاذ رضي الله عنه يقول للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الله ورسوله أعلم"، ففي هذا: رَدُّ العلم إلى عالمه، وعدم تدخُّل الإنسان في شيء وهو لا يدري عن حكمه، والله- تعالى- يقول: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} ، ويقول سبحانه وتعالى لما ذكر المحرّمات في قوله: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} ، ختمها بقوله: {وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} وقال: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِباً لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (144) } ، والآيات والأحاديث في هذا كثيرة، فمن يريد النجاة لنفسه، ويريد السلامة، وأيضاً يريد السلامة للناس؛ فإنه لا يتدخل في شيء لا يعرفه، لأنه يُوَرَّطُ نفسه، ويُوَرِّطُ الآخرين معه، لأنه إذا أجاب بخطأ ضلّل الناس {لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ} ، فهذه مسألة عظيمة، يجب علينا أن نتعقّلها، وأن الإنسان لا يتسرّع في الإجابة عن شيء، إلاَّ إذا كان يعلمه تماماً، وإلاَّ فليقف على شاطئ السلامة، ولا يدخل في لِجَّة البحر وهو لا يُحسن السباحة.