الأربعاء، 4 ديسمبر 2013

من يقع منهم الشرك في العبادة بدعاء الأولياء والصالحين والموتى إذا سُئلوا وقيل لهم: هذا شرك، قالوا: لا، هذا ليس بشرك، لأننا لم نقصد أن نعبد من دون الله أحداً، ولكن هؤلاء أناس صالحون لهم مكانة عند الله

قال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله في شرحه لكتاب التوحيد(1/245-252): أمر الشفاعة أمر مشكل من قديم الزمان وحديثه، لأن كثيراً -أو جميع- من يقع منهم الشرك في العبادة بدعاء الأولياء والصالحين والموتى إذا سُئلوا وقيل لهم: هذا شرك، قالوا: لا، هذا ليس بشرك، لأننا لم نقصد أن نعبد من دون الله أحداً، لأننا نعلم أن العبادة حق لله، ولكن هؤلاء أناس صالحون لهم مكانة عند الله، ومن العادة أن الإنسان إذا كان له حاجة عند السلطان أو عند الملك أنه لا يتقدم إليه بحاجته مباشرة، لأنه يخشى أن لا يُقبل منه أو لا يُعرف، فحتى لا يُرد طلبه يجعل بينه وبين المطلوب منه واسطة، فهذه الواسطة تشفع له عند من عنده طلب المحتاج. هذا حاصل ما يجيبون به.
وهو جواب باطل، لأن قياس الخالق على المخلوق قياس باطل، لأنّ الله سبحانه وتعالى ينزّه أن يقاس بأحد من خلقه، قال سبحانه: {فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (74) } ، وقال سبحانه وتعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} ، وقال سبحانه وتعالى: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ (4) } ، إلى غير ذلك مما بيّن الله سبحانه أنه لا يجوز أن يُقاس بخلقه أو أن يشبّه بخلقه لوجود الفرق
العظيم بين الخالق والمخلوق، فإذا كان ملوك الدنيا تسوغ عندهم شفاعة الشافعين بغير إذنهم، فإن الخالق جل وعلا لا تسوغ عنده لأنه أعظم من ذلك، لأن ملوك الدّنيا بحاجة إلى هؤلاء الشفعاء لإعانتهم على أمور الملك، فيشفعونهم من أجل أن يعينوهم على أمور الملك، أو لأن ملوك الدّنيا لا يعلمون أحوال الرعيّة، فهم بحاجة إلى من يبلّغهم، أو لأن ملوك الدّنيا لا يريدون قضاء الحوائج أحياناً، ولا يريدون الرحمة حتى يأتي من الشفعاء من يتكلم معهم، حتى تتأثر قلوبهم بالعطف، وهذه الأمور كلها منتفية عن الله سبحانه وتعالى، فهو ليس بحاجة إلى من يعينه على أمور الملك، لأنه غني كريم، قادر على كل شيء، وليس بحاجة إلى من يبلّغه عن أحوال خلقه، لأنه يعلم كل شيء، وليس بحاجة إلى من يؤثر عليه ويعطفه، لأنه بعباده رؤوف رحيم، يريد لهم الخير، ويريد لهم الإعانة، ويحب العفو والمغفرة، ويجود على خلقه بدون أن يؤثر عليه أحد أو يتوسط عنده أحد، فهذه الأمور كلها منتفية، وبذلك بطلت حجة المشركين، وتبيّن أن فعلهم هذا هو الشرك، سماه الله شركاً في قوله تعالى: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللهِ} ، {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ} هذا هو الشرك، وفي الآية الأخرى: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ زُلْفَى} ، ثمّ توعدهم بقوله: {إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ} ، فسمّى فعلهم هذا كذباً وسماه كفراً، بل سماه مبالغة في الكفر، لأن كفّار صيغة مبالغة، فالذي يفعل هذا قد بلغ غاية الكفر وأعظم الكفر- والعياذ بالله-.
وفي هذه الآية يقول: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ (22) وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} هذه الآية والتي بعدها يقول العلماء عنها: إنها قطعت عروق الشرك من أصله.
أما قوله تعالى: {قُلِ} هذا أمر لرسوله محمَّد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأن يقول لهؤلاء الذين يدعون الملائكة وغيرهم من دون الله ويزعمون أنهم يشفعون لهم عند الله بغير إذنه سبحانه وتعالى، قل لهم يا أيها الرسول، بلّغهم، أخبرهم، بيّن لهم.
{ادْعُوا} هذا أمر توبيخ وتعجيز، لأن الأمر يأتي- أحياناً- للتّوبيخ والتعجيز، لا لطلب الشيء أو تشريع الشيء، كما في قوله: {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} ، ليس هذا أمراً بالكفر، وإنما هذا أمر توبيخ وتهديد، وإلاّ فالله سبحانه وتعالى لا يأمر بالكفر، وإنما {َفلْيَكْفُرْ} معناه أمر تهديد وتوبيخ وقد يكون الأمر للتعجيز {يَمَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا} هذا أمر تعجيز.
{الَّذِينَ زَعَمْتُمْ} هذا فيه رد عليهم وذلك لأنهم لم يبنوا فعلهم هذا على دليل من الشرع النازل من عند الله، فالله لم يشرع دعاء غيره أبداً، وإنما أمر بدعائه وحده لا شريك له، فمن دعا غيره فهذا زعم منه، والزعم باطل، وكذلك لم يعتمدوا على دليل عقلي فطري، لأن العقل يدل على أن العبادة لا تكون إلاّ لمستحقها وهو الله سبحانه وتعالى، أما العبد الفقير العاجز، فإنه لا يستحق العبادة، هذا دليل العقل مع دليل الشرع بأن العبادة والدعاء لا يصلحان إلاّ لله سبحانه وتعالى، والزعم معناه: الكذب، دلّ على أنهم كاذبون في عملهم هذا، لأنه إذا لم يكن عليه دليل فهو كذب.
ومعنى: {زَعَمْتُمْ} أي: زعمتم أنهم ينفعون أو يضرون.
{مِنْ دُونِ اللهِ} أي: غير الله سبحانه وتعالى.
{لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ (22) وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} ، وذلك أن المدعو لابد أن يتوفر فيه أحد هذه الأحوال:
الحالة الأولى: إما أن يكون مالكاً للمطلوب منه، فأنت إذا طلبت من أحد شيئاً فلابد أن يكون مالكاً له، وهؤلاء المدعوون لا يملكون شيئاً مما يطلب منهم؟ إذاً دعاؤهم باطل، كيف تطلبون من أناس لا يملكون ما تطلبونه منهم فهم: {لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} أي: ليس لهم ملك ولو قلّ، والذّرّة معروفة هي أصغر شيء،
إما أنها؛ الهَبَاءَة التي تطير في الهواء، أو أنها: النملة الصغيرة التي لا وزن لها، ودائماً يضرب الله هذا المثل: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ (8) } ، أقل شيء من الخير والشر: {إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} فالظلم منتفٍ عن الله سبحانه وتعالى قليله وكثيره، إذاً كيف تدعونهم وتطلبونهم وهم لا يملكون ما تدعونهم له وتطلبونه منهم؟، هذا من العبث، كيف تُعرضون عن الذي يملك السماوات والأرض ومن فيها، وهو الله، وتنصرفون إلى دعاء من لا يملك شيئاً، {وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ} .
الحالة الثانية: إذا لم يكن مالكاً فلا أقل من أن يكون شريكاً للمالك، وهذا منتفٍ في حق الخلق، لأنهم لا يشاركون الله في ملكه: {أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} ، فلا أحد يشارك الله في ملك السماوات والأرض أبداً، لا الملائكة، ولا الأنبياء، ولا الأولياء، الملك لله.
الحالة الثالثة: إذا لم يكن مالكاً للشيء ولا شريكاً فيه فربما يكون معيناً للمالك، وإذا كان معيناً للمالك جاز أن يستشفع به إليه، والله نفى هذا وقال: {وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ} لا أحد يعين الله من خلقه، لم يتخذ من خلقه من يعينه على تدبير خلقه سبحانه وتعالى، انفرد بخلق السماوات والأرض، وخلق المخلوقات، ولم يتخذ من يعينه على ذلك، لأنه قادر سبحانه وتعالى على كل شيء.
الحالة الرابعة: قد يكون شفيعاً عند المالك مثل ما يشفع الناس عند الملوك، وهم ليسوا ملوكاً، وليسوا شركاء للملوك، وليسوا وزراء للملوك وأعواناً، لكنهم شفعاء، يأتي ذو جاه ومكانة فيدخل على السلطان ويشفع عنده، وهو ليس معيناً له ولا شريكاً له، هذا جائز في حق المخلوقين، لكن في حق الخالق لا يجوز، لأن الشفاعة لا تكون إلاّ بإذنه {وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ} أي: عند الله {إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} ، هذا بخلاف المخلوقين، قد يشفع عندهم بدون أن يأذنوا، وهل الله أذن في الشفاعة في المشركين من المستحيل أن تقع، الشفاعة في مشرك أو كافر.
قال سبحانه وتعالى: {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ (48) } ، {مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ} ، إذاً بطلت شفاعتهم من كل الوجوه الأربعة، فهي شفاعة باطلة، وإنما
الشفاعة الصحيحة هي الشفاعة التي يتوفر فيها شرطان: الشرط الأول: أن تكون بإذن الله. الشرط الثاني: أن تكون في أهل التّوحيد والإخلاص.
وفي حديث أبي هريرة لما سأل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من أسعد النّاس بشفاعتك يا رسول الله؟، قال: "لقد ظننت أن لا يسألني عن هذا الحديث غيرك يا أبا هريرة لما أرى من حرصك على الحديث، أسعد النّاس بشفاعتي: من قال: لا إله إلاّ الله؛ خالصاً من قلبه".
فدلّ هذا الحديث على أن شفاعة الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد إذن الله تعالى بها لا تكون إلاّ لأهل الإخلاص، لا تكون لأهل الشرك، وأهل الإخلاص هم: "من قال: لا إله إلاّ الله " أي: تلفّظ بها، "خالصاً من قلبه" لم يقلها بلسانه فقط، وإنما قالها عارفاً لمعناها، عاملاً بمقتضاها، معتقداً لها بقلبه.
أما الذي يقول: لا إله إلاّ الله، وهو لا يعرف معناها، ولا ما تدل عليه، أو يعرف معناها، ولكنه لا يعتقدها بقلبه، كحال المنافقين، فهذا لا تنفعه لا إله إلاّ الله، وليس له شفاعة عند الله سبحانه وتعالى، إنما الشفاعة لأهل الإخلاص، وهم الذين ينطقون بهذه الكلمة مخلصين لله عزّ وجلّ في قلوبهم ما تدل عليه هذه الكلمة من إفراد الله تعالى بالعبادة.
فدلّ هذا على أنه لا حظ لأهل الشرك في الشفاعة.
إذاً كل هؤلاء المشركون القدامى والمحدثون، هؤلاء الذين يأتون إلى القبور، ويجثون عندها على ركبهم، ويتمرّغون بجباههم على ترابها، ويذبحون لها، وينذرون لها، ويتمسحون بها، ويقولون: هؤلاء أولياء يشفعون لنا عند الله. هؤلاء كلهم محرومون من هذه الشفاعة، وفعلهم هذا تعب بلا فائدة، وضرر بلا منفعة، لأن هذا هو عين فعل المشركين السابقين.
والآية: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ} ، عامة في الملائكة، وفي الأولياء، والصالحين، وغيرهم، كل من دُعي من دون الله عزّ وجلّ، فهو بهذه المثابة، لا يملك شيئاً ولا مثقال ذرة، ولا يشارك المالك، وليس هو ظهير للمالك، وليس هو شفيع عند المالك بشفاعة أهل الشرك، وأهل عبادة القبور، والأضرحة، والأشجار، والأحجار، والأصنام، وغيرها، هؤلاء لا حظ لهم في الشفاعة، كل هؤلاء القطعان الضائعة، هؤلاء الذين يأتون إلى هذه الأضرحة، وينفقون الأموال، ويضيعون الأوقات، كلهم لا حظ لهم في الشفاعة عند الله سبحانه وتعالى، وإنما الشفاعة لأهل التّوحيد.
والسبب في جعل الله سبحانه وتعالى هذه الشفاعة أنها إكرام للشافع، يأذن الله لمن شاء من عباده أن يشفع إكراماً له، مثل ما يحصل لمحمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المقام المحمود، إكراماً له صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ورحمة للمشفوع فيه إذا كان من أهل الشفاعة والرحمة، هذا هو الحكمة في جعل الله هذه الشفاعة، فالأمر لله سبحانه وتعالى.
فالحاصل؛ أن هذه الآية الكريمة قد أبطلت ما يعتقده المشركون في معبوداتهم، وردّت عليهم ردًّا مفحماً: هل يستطيع المشركون أن يقولوا: إن معبوداتنا هذه تملك في السماوات أو في الأرض شيئاً؟ لا يستطيعون.
هل يستطيعون أن يقولوا: إنها شريكة لله؟، لا يستطيعون.
هل يستطيعون أن يقولوا: إنها تعين الله في تدبير الملك؟، لا يستطيعون.
هل يستطيعون أن يقولوا إنها تشفع عند الله بغير إذنه؟، لا يستطيعون.
هل يستطيعون أن يقولوا: إن الشفاعة تنفع المشركين وتنفع الكفار؟ لا يستطيعون. كل هذا لا يستطيعونه أبداً.
هل أحد منهم عارض هذه الآية، وقال: إن معبوداتنا تملك، أو أنها شريكة لله، أو أنها معينة لله، أو أنها تشفع عنده بغير إذنه؟، ما أحد يستطيع أن يعارض كلام الله سبحانه وتعالى، لأن كلام الله لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، ولكن إذ عميت البصائر، وصار الناس يعملون على حسب أهوائهم، وحسب التقاليد الفاسدة؛ حينئذٍ يقعون في المهالك، يقعون فيما وقعوا فيه.
ولو سألت أي خرافي أو أي مشرك من عباد الأضرحة قلت له: أجب عن هذه الآيات؟. ما استطاع الجواب. وإذا لم يستطع الجواب، تبيّن أنه مكابر، وأن عمله باطل.
كان الواجب على من يدّعي الإسلام، ويشهد أن لا إله إلاّ الله وأن محمداً رسول الله؛ الواجب أن يرجع إلى القرآن، وأن يتدبرّ القرآن، وأن يعمل به، وأن يراجع سنة الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويعمل بها، ولا يذهب مع التقاليد الفاسدة، أو يتبع ما كان عليه الناس، أو الدعاوى الباطلة أن هذه القبور تنفع، أو أن هؤلاء الأموات ينفعون من دعاهم، أو من تقرّب إليهم، هذا كله إذا عُرِضَ على الكتاب والسنّة تبيّن بطلانه.
نعم، قد يقع لهؤلاء الذين يدعون الأولياء أو القبور أن تحصل لهم حاجاتهم التي طلبوها، لكن هذا لا يدل على صحة ما هم عليه، لأنهم قد يُعطون ما طلبوا من باب الفتنة، ومن باب الاستدراج، أو أنه يصادف ذلك قضاءً وقدراً من الله سبحانه وتعالى
في إعطائهم هذا الشيء، فيظنون أنه بسبب القبور، وهو في الواقع بقضاء الله وقدره، فحصول المطلوب لا يدل على صحة الطلب، إنما الاحتجاج يكون بكتاب الله وسنة رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لا بالعادات، والتقاليد، والحكايات، والمنامات، والخرافات، أو أن فلاناً قد حصل له كذا، فلان ذهب إلى القبر الفلاني، فلانة ذهبت إلى القبر الفلاني فحملت، هذا ليس بدليل أبداً، لأن إعطاء الإنسان شيئاً مما يحتاج إليه، لا يدل على صحة ما ذهب إليه، أو ما فعل من الشرك والعادات السيئة.
يقول شيخ الإسلام: "قد يرون عند القبور أو يسمعون عند القبور من يكلمهم، أو يخرج عليهم من القبر ويقول: أنا فلان الذي تطلب، وأنا أقضي حاجتك. يتمثل لهم الشيطان، ليس هو الميت، وإنما هو الشيطان، يتمثل لهم بصورة الميت، ويخاطبهم، وقد يجلب لهم شيئاً مما يطلبون من بعيد، وهو شيطان يريد أن يضلهم، ويريد أن يهلكهم، وأن يغرر بهم".

فحصول المقصود لا يدل على صحة العمل.