قال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله في شرحه لكتاب التوحيد(1/216-220) وعند شرحه على حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال:
قام
فينا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ حين أنزل عليه:
{وَأَنْذِرْ
عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214)
} فقال: "يا
معشر قريش (أو
كلمة نحوها)
اشتروا
أنفسكم لا أغني عنكم من الله شيئاً. يا
عباس بن عند المطلب، لا أغني عنك من الله
شيئاً. يا
صفية عمة رسول الله صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا أُغني عنك من الله
شيئاً.
ويا
فاطمة بنت محمد؛ سليني من مالي ما شئت،
لا أُغني عنك من الله شيئاً":
"لا
أُغني عنكم من الله شيئاً"
أي:
لا
ينفعكم أني منكم، وأنتم قبيلتي، هذا لا
ينفعكم
عند الله شيئاً.
وفي
هذا دليل على بُطلان التعلق على الأشخاص،
والتعلق على الأولياء والصالحين، واعتقاد
أنهم يقرِّبون إلى الله زُلفى، كما يفعله
المشركون قديماً وحديثاً، الذين يتعلقون
على الأولياء والصالحين، ويعتقدون أنهم
يشفعون لهم عند الله، وأنهم يتوسّطون لهم
عند الله، ويتقرّبون إلى الأولياء
والصالحين بالذبح، والنذر، والاستغاثة،
والاستعاذة، والدعاء، كما قال الله
سبحانه:
{وَيَعْبُدُونَ
مِنْ دُونِ اللهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ
وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ
شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللهِ}
،
قال تعالى:
{وَالَّذِينَ
اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ
مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا
إِلَى اللهِ زُلْفَى}
،
هذا زعمهم.
ولا
يزال هذا عند بعض الناس إلى اليوم، هناك
طوائف كثيرة من عُبّاد القبور، والصوفية،
وغيرهم يعتقدون أن الأولياء والسادة أنهم
يُكْفونهم المؤنة، ويذهبون إلى أضرحتهم،
ويتمسحون بها، ويذبحون عندها، وينذرون
لها، ويهتفون بأسمائهم ويظنون أن هذا
ينفعهم عند الله تعالى، وفي هذا الحديث
وغيره ردٌّ على هؤلاء، لأنه إذا كان الرسول
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو
أشرف الخلق، وأقرب الخلق إلى الله، وأكرمهم
على الله يقول لعشيرته وأقاربه:
"لا
أُغني عنكم من الله شيئاً"
فكيف
يتعلق الناس على المخلوقين؟.
فالواجب
أن يتعلق الناس بربهم سبحانه وتعالى، وأن
يتقربوا إليه بالطاعة والعبادة، ويُخلصوا
له التّوحيد، هذا هو طريق النجاة، أما
التعدي عدى المخلوقين، ولو كانوا أنبياء
أو صالحين أو أولياء، فإنهم لا ينفعون من
تعلق بهم، وتوسل بهم، أو بجاههم أو بحقهم،
هذا كله باطل، وتعبٌ بلا فائدة، بل هو
ضلالة، وقد صرّح الله جل وعلا في القرآن
بهذا، حينما قال لنبيه:
{قُلْ
لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا
ضَرّاً إِلَّا مَا شَاءَ اللهُ وَلَوْ
كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ
مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ
إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ
لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (188)
} ،
قال تعالى:
{قُلْ
إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلا
رَشَداً (21)
قُلْ
إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي
مِنَ اللهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ
دُونِهِ مُلْتَحَداً (22)
إِلَّا
بَلاغاً مِنَ اللهِ وَرِسَالاتِهِ}
،
هذا صريح لا يحتاج إلى كثير تأمّل، لأنه
واضح من الكتاب والسنّة، ولكن الشيطان
سَوَّل لهم وأملى لهم، اتبعوا العوائد،
واتبعوا وقلّدوا أهل الضلال، ومشوا على
طريقهم، وتركوا الكتاب والسنّة والله جل
وعلا قريب مجيب، لا يحتاج إلى من يبلّغه
عن خلقه، هو سبحانه وتعالى قريب مجيب:
{وَإِذَا
سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي
قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا
دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي
وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ
يَرْشُدُونَ (186)
} ،
"ينزل
سبحانه وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا
حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول:
"هل
من سائل فأعطيه؟، هل من مستغفر فأغفر له؟،
هل من تائب فأتوب عليه؟ "،
لم يقل لنا قدِّموا حوائجكم إلى الأولياء
والوسائط، وهم يقدِّمونها لي، بل إنه
سبحانه هو الذي تكفّل بالإجابة، وطلب من
عباده أن يتقرّبوا إليه، وأن يدعوه، وأن
يستغفروه، وأن يسألوه، لماذا يذهب المخلوق
إلى غير الله سبحانه وتعالى؟، هذا من غرور
الشيطان، نسأل الله العافية والسلامة،
الحق واضح -
ولله
الحمد-،
ما فيه خفاء، لو أن الناس سَلِمُوا من
دعاة الضلال، ومن المخرفين، ومن الدجالين،
لو أن الناس استعملوا عقولهم وبصائرهم،
وأقبلوا على كتاب الله وسنة رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
لوجدوا الحق واضحاً لا خفاء فيه.
فقوله:
"يا
معشر قريش، لا أُغني عنكم من الله شيئاً"
عمّم
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في
الإنذار لجميع قريش، وجميع بطونها، وجميع
أفخاذها وقبائلها.
ثم
خص صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الأقربين إليه، فقال:
"يا
عبّاس ابن عبد المطلب، لا أُغني عنك من
الله شيئاً"
العبّاس
بن عبد المطلب عم الرسول صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإذا كان لا يُغني
عن عمه شيئاً، فكيف يغني عن غيره؟، وإذا
كان أبو لهب عم الرسول صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أيضاً، ولكنه أبى أن
يدخل في الإسلام، واستمر على الشرك وآذى
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، أنزل الله فيه سورة تُقرأ إلى
يوم القيامة:
{تَبَّتْ
يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1)
} ،
التَّبْ هو:
الخسارة،
{مَا
أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ
(2)
سَيَصْلَى
نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ (3)
وَامْرَأَتُهُ
حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (4)
فِي
جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ (5)
} ،
هذا عمّ الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، لكنه كان كافراً، فلم ينفعه
قرابته من الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، وكذلك أبو طالب مع قُرْبِه
من الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، وحمايته للرسول، ودفاعه عنه،
لما أبى أن يُسلم، وقال:
"هو
على ملّه عبد المطلب"
وأراد النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن
يستغفر له، أنزل الله تعالى:
{مَا
كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا
أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ
وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ
بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ
أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (113)
} . وقوله
تعالى:
{إِنَّكَ
لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ
اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ}
.
ثم
قال:
"يا
صفية عمّة رسول الله صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا أُغني عنك من الله
شيئاً"
مثل
عمه العباس.
ثم
خص أقرب من هؤلاء، وهي بنته، التي هي
بَضْعَة منه، فقال:
"يا
فاطمة بنت محمد؛ سليني من مالي"
يعني:
اطلبي
مني شيئاً أملكه وهو المال، أما النجاة
من النار فهذه لا أملكها:
"لا
أُغني عنك من الله شيئاً"
أما
الآخرة، والنجاة من النار، والدخول في
الجنة، فهذا إنما يُطلب من الله سبحانه
وتعالى، ويحصل عليه بطاعة الله وطاعة
رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
انظروا
كيف أن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عمّم أوّلاً جميع قريش، ثم خصّ
عمه وعمّته ثم خصّ بنته، فهذا بيان واضح
بأنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لا يملك النجاة والإنقاذ من النار لمن
هُم أقرب الناس إليه:
قبيلته
قريش، وعمه وعمته إخوان أبيه، بل ولده،
عمّم وخصص صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ في هذا.
فأين
من يقول:
يا
أكرم الخلق مالي من ألوذ به ...
سواك
عند حلول الحادث العمم
فهذا
فيه دليل على مسألة مهمة وهي:
أنه
لا يجوز الاعتماد على النسب والقرابة من
الأنبياء والصالحين، لأنه لا يُغني عند
الله شيئاً:
{فَإِذَا
نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسَابَ
بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ
(101)
} ،
هذا عام في كل الناس وقرابات الأنبياء
وغيرهم، وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ:
"من
بَطَّأ به عمله لم يُسرع به نسبه"،
قال سبحانه وتعالى:
{يَا
أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ
مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ
شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا
إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ
أَتْقَاكُمْ}
،
فالاعتبار بالتقوى لا بالنسب، النسب إنما
يُستعمل في الدنيا:
{لِتَعَارَفُوا}
يعرف
بعضكم بعضاً، كلٌّ يعرف قرابته وقبيلته،
أما في الآخرة فلا {فَلا
أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ}
،
لا يبقى إلاّ الأعمال فقط، {وَمَا
أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ
بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا
زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ
صَالِحاً}
،
فالله سبحانه وتعالى لا ينفع عنده إلاّ
العمل الصالح.
وقال
الخليل -
عليه
الصلاة والسلام-:
{يَوْمَ
لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ (88)
إِلَّا
مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89)
} ،
يقول بعضهم:
أنا
من أهل البيت، ويتكّل على هذا، ولا يَحْفَل
بالأعمال الصالحة، يظن أن كونه من أهل
البيت يكفي، وهذا غرور من الشيطان، هذا
الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يقول لابنته سيدة نساء العالمين، يقول
لها:
"سليني
من مالي ما شئت، لا أُغني عنك من الله
شيئاً"
وهي
بنته، أليست في مقدمة أهل البيت؟، "لا
أُغني عنك من الله شيئاً"
فكيف
يأتي من يأتي ويقول:
أنا
من أهل البيت، ويتكِّل على هذا، ويتبرك
الناس به، ويتمسّحون به، ويَلْحَسُون
أقدامه، ويظنون أن هذا ينجيهم من عذاب
الله، هذا باطل وغرور، ولا نجاة إلاّ
بالأعمال الصالحة.
هذا
أبو لهب، وأبو طالب، وهم أعمام الرسول
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لما
لم يؤمنوا لم ينفعهم قرابتهم من الرسول
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وهذا
بلال، وعمّار بن ياسر، وصُهَيب، وخبّاب
موالي، وصاروا من سادات المهاجرين، ومن
سادات المؤمنين، ما ضرهم أنهم موالي،
وقال في سلمان الفارسي:
"سلمان
منّا أهل البيت"
رضي
الله تعالى عن الجميع، والسبب:
الإيمان
والعمل الصالح، فمجرد كون الرجل من أهل
البيت، أو من قرابة الرسول لا يُغني عنه
شيئاً، ولا ينفعه شيئاً، كما لم ينفع أبا
طالب وأبا لهب وغيرهم من عشيرة الرسول
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما
لم يؤمنوا، بل إن بعض الغُلاة يقول:
إن
التسمي بمحمد يكفي، يقول صاحب "البُرْدة":
فإن
لي ذمّة منه بتسميتي محمداً ...
وهو
أوفى الخلق بالذمم
لا
ينفع عند الله إلاّ العمل الصالح، لا
الأسماء، ولا القبائل، ولا شرف النسب،
ولا كون الإنسان من بيت النبوّة، كل هذا
لا ينفع إلاّ مع العمل الصالح والاستقامة
على دين الله عزّ وجلّ.
نعم،
القرابة من الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ إذا كانت مع العمل الصالح لها
فضل لا شك فيه، فأهل البيت الصالحون
المستقيمون على دين الله لهم حق، ولهم
شرف، ولهم كرامة، ويجب الوفاء بحقهم،
طاعة للرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فإنه أوصى بقرابته وأهل بيته،
لكن يريد
القرابة وأهل البيت المستقيمين على طاعة
الله عزّ وجلّ، أما المخرّف والدجّال
والمشعوذ الذي يعتمد على قرابته من الرسول،
ولكنه في العمل مخالف للرسول صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فهذا لا
يُغنيه شيئاً عند الله، لو كان هذا ينفع
لنفع أبا لهب، ونفع أبا طالب، ونفع غيرهم
ممن لم يدخلوا في دين الله، وهم من قرابة
الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فالواجب أن نتنبّه لهذا.