الثلاثاء، 10 ديسمبر 2013

تعريف السِّحر وأنواعه

قال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله في شرحه لكتاب التوحيد(1/343-344):  السحر نوعٌ من أنواع الشرك، لأن السحر لا يمكن الوصول إليه إلاَّ عن طريق الشياطين، فالسحرة يخضعون للشياطين، ويستعينون بهم في سحرهم، وهذا شرك بالله عزّ وجلّ.
والسحر في اللغة هو: كل ما لَطُفَ وخَفِيَ سببه، ومنه سُمّي السَّحَر سَحَراً في آخر الليل، لأنه خفيٌّ وكل ما لَطُف يعني: دقّ، وخَفِيَ سببه عن النّاس يُسمّى سحراً في اللغة، ومنه قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إن من البيان لسحراً" البيان معناه: الكلام البليغ، لأنه يستميل النفوس ويؤثّر فيها كما يؤثر السحر، إلاَّ أنه ليس حراماً وكذلك النميمة، سُميّت سحراً(1) لأنها تعمل عمل السحر في الإفساد بين الناس، وإحداث البغضاء في القلوب، وإن لم تكن سحراً في الحقيقة، لكنها سحر لغوي، هذا تعريف السحر في اللغة.
أما تعريفه في الشرع: فالسحر عبارة عن عزائم ورُقى وعُقد يؤثر في بدن المسحور بالقتل أو بالمرض، أو بالإخلال بعقله، أو يفرِّق بين الزوجين، أو يأخذ الزوج عن زوجته فلا يستطيع الوصول إليها، قال تعالى: {وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (4) } يعني: السواحر.
فالساحر يعقد العقد بالخيط ثمّ ينفث فيها من ريقه، ويستعين بالشيطان، ويؤثِّر هذا بإذن الله في المسحور إما قتلاً، وإما مرضاً، وإما تفريقاً بينه وبين حبيبه، وإما أن يمنعه عن زوجته فلا يستطيع الوصول إليها.
وقد سُحر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ2، وأثر فيه السحر، وصار- عليه الصلاة والسلام - يخيل إليه أنه فعل الشيء ولم يكن فعله، ورقاه جبريل فبرئ بإذن الله.
فالسحر له حقيقة، ويؤثر في بدن المسحور، ولكنه لا يؤثِّر إلاَّ بإذن الله القدريّ، كما قال تعالى: {وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ} ، أي: إذن الله القدريّ الكونيّ.
وقد ذكر العلماء أن السحر المحرم على نوعين:
سحر حقيقي، وهو هذا الذي ذكرنا.
والنوع الثاني: سحر تخييلي، ليس له حقيقة، وإنما هو خيال وشعوذة، وهو ما يسمّى بالقُمْرة، فالساحر يخيِّل للناس شيئاً وهو ليس حقيقة، كأن يخيِّل للناس أنه دخل في النار، وليس كذلك، أو يخيِّل للناس أنه يمشي على حبل، وهو ليس كذلك، أو يخيِّل للناس أن السيارة تمشي على بطنه، وليس كذلك، أو يخيِّل للناس أنه يطعن نفسه بالسلاح ولا يؤثِّر فيه، وليس كذلك، والحقيقة أنه عمل شيئاً من التخيل والقُمْرة فأثر على الأبصار. كما قال الله تعالى ني قوم فرعون: {سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ} ، فسحروا الأعين فقط، وذلك بما يعملونه من الحِيَل، ويجعلون في العِصِيّ التي معهم مواد تحرّكها، وتجعل العصى كأنها حيّة، وهي ليست كذلك كما قال تعالى عن موسى عليه السلام: {فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى} ، حيث حشوها بشيء من الزِّئْبق وشيء من الأمور التي لا يراها الناس، وظنوا أنها تتحرك.
وأنكرت المعتزلة النوع الأول، مع أن النوع الأول هو الخطير، وقالوا: السحر كله تخييلي.
وهذا غير صحيح، لأنه لو كان كذلك لما أثّر في المسحور ولما قتل المسحور، ولما أمرضه، ولما فرّق بينه وبين زوجه، فدلّ على أنه حقيقي، وعمل شيطاني، لأنه عُقد وعزائم، ولهذا يقول تعالى لنبيه: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) } ، إلى قوله: {وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (4) } فدل على أنه حقيقي.
_________________________
(1):  في قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ألا أنبئكم ما العضة - يعني السحر- هي النميمة القالة بين الناس".