الأحد، 15 ديسمبر 2013

الدُّور ثلاثة: دار الدنيا ودار البرزخ ودار الجزاء

قال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله في شرحه لكتاب التوحيد(1/67-68): الدُّور -كما ذكر ابن القيّم- ثلاث:
الأولى: دار الدنيا، وهي دار العمل والاكتساب.
الدار الثانية: دار البرزخ، وهي دار القبور، برزخ بين الدنيا والآخرة، والبرزخ معناه الفاصل، والحياة في القبور، تسمى بالحياة البرزخيّة، وفيها عجائب، فيها نعيم أو عذاب، إما حفرة من حفر النار، أو روضة من رياض الجنة، ويبقى الأموات في قبورهم إلى أن يشاء الله جل وعلا بَعْثَهُم وحَشْرَهُم للحساب والجزاء، وهذه الدار، مَحَطَّة انتظار.
والثالثة: دار الجزاء، التي هي يوم القيامة، الجنة أو النار، وهذه الدار لا تفنى ولا تبيد أبداً، وإذا آمن الإنسان بهاتين الدارين، فإن ذلك يحمله على العمل الصالح والتوبة من الذنوب والسيئات، فإذا تيقّن أن هناك جنة، وأن هذه الجنة لا يدخلها إلاَّ بالأعمال الصالحة، فإنه يعمل، وإذا تيقن أن هناك ناراً، وأنه يدخلها بالمعاصي والكفر والسيئات، فإنه يحذر من ذلك ويتوب إلى الله عزّ وجلّ، فالإيمان باليوم الآخر والجنة والنار يحمل العبد على العمل الصالح والتوبة من الذنوب والسيئات، أما الذي لا يؤمن بالآخرة، فهذا يعمل ما تُمليه عليه شهواته، وما ترغبه نفسه ولا يحاسب نفسه أبداً، لأنه لا يؤمن ببعث ولا بحساب، تعالى الله عما يقوله الظالمون والكافرون علواً كبيراً، {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلاَّ الدَّهْرُ} ينكرون البعث، {أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَاباً وَعِظَاماً أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ (35) هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ (36) إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ (37) } ، هكذا يقولون، لأن الكفار الذين بعث فيهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينكرون البعث والنشور، ومثلهم الملاحدة والدهريون الذين لا يؤمنون برب ولا ببعث ولا بحساب، ومثلهم الفلاسفة الذين يقولون: "إن هذه الأمور إنما هي من باب التخييلات من أجل مصالح الناس"، فالرسل أو الأنبياء يقولون: هذه الأشياء من باب التخييلات من أجل مصالح الناس، وإلاَّ ليس هناك جنة، وليس هناك نار، وليس هناك بعث، وإنما يخيِّلون هذه الأشياء، من باب الكذب للمصلحة، من أجل أن الناس يستقيمون، ويتركون الأعمال الدنيئة، ويعملون الأعمال الطيبة، وإن لم يكن هناك حقيقة للجنة والنار.
وهؤلاء يسمّون (المخيّلة) ، وهم فئة من الفلاسفة؛ ومن الطوائف الباطنية من ينكر الجنة والنار، ويقولون: هما عبارة عن رموز فقط، وليس هناك حقائق، فالكَفَرَة على اختلاف أصنافهم: من مشركيّة، ودهريّة، وفلاسفة، وباطنية، كلهم لا يؤمنون باليوم الآخر، ولهذا توعد الله سبحانه وتعالى هؤلاء بقوله: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ (115) } يعني: لو كان ليس هناك بعث ولا حساب، صار خلق الله لهذه المخلوقات في باب العبث، لأنها لا تؤدِّي إلى غاية ولا نتيجة، فالظالم يظلم في هذه الدنيا، والقاتل يقتل، والعاصي يعصي، والمطيع يُتعبُ نفسه بالطاعة والعبادة ولا يلقى جزاء- تعالى الله عما يقولون-، أما إذا كان هناك بعث ونشور وجزاء على الأعمال. المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته، كان خلق الخلق إذاً لحكمة وغاية، وليس عبثاً، فهناك من الظَلَمة من يموت وهو ما جوزي في هذه الدنيا، وهناك من الصالحين من يموت وهو فقير مريض، لماذا؟ لأن الجزاء في الآخرة، هؤلاء ينتظرهم جزاؤهم في الآخرة. هذا الكافر، وهذا الظالم، وهذا الطاغية، وهذا الجبّار، ينتظرهم جزاؤهم في الآخرة، وهذا المؤمن التقي الصالح الذي مات بالمرض والفقر هذا ينتظره جزاؤه في الآخرة في الجنّة، لأن الله ما خلق الخلق وأجرى هذه الأمور عبثاً، لا بد لها من نتيجة، ولا بد لها من غاية تنتهي إليها: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ (115) } ، {أَيَحْسَبُ الإنسان أَنْ يُتْرَكَ سُدىً (36) } يعني: لا يُؤمر، ولا يُنهى، ولا يُبعث، ولا يُجازى، يأكل ويشرب ويمكر ويفسق وينتهي أمره إلى لا شيء؟، أو يتقي ويطيع ويتعب نفسه بالعبادة وينتهي أمره إلى لا شيء؟، فهذا وجه النص على الإيمان بالجنة والنار، لأن الإيمان بهما يحدو على العمل الصالح، والتوبة من العمل السيء، ولأن البعث والحساب أنكره كثير من الطوائف الكافرة، فلا بد من الإيمان به، والتصديق به، والإقرار به، وهو أحد أركان الإيمان الستة: الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والإيمان بالقدر خيره وشره.