قال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله في شرحه لكتاب التوحيد(1/236-238): لما
كان المشركون قديماً وحديثاً يعبدون من
دون الله الأصنام والأشجار والأحجار
والقبور والأضرحة والأولياء والصالحين
والملائكة والأنبياء، فإذا أنكر عليهم
ذلك قالوا:
{هَؤُلاءِ
شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللهِ}
،
نحن نعلم أنهم
مخلوقون، وأن الأمر بيد الله، ولكن هؤلاء
لهم مكانة عند الله، ونريد منهم أن يشفعوا
لنا عند الله.
فيذبحون
للأولياء والصالحين والأشجار والأحجار،
ويستغيثون بهم، ويصرفون لهم أنواع العبادة،
فإذا أنكر عليهم قالوا:
غرضنا
من ذلك هو الشفاعة فقط.
فبين
الله أن ذلك هو الشرك، وأن تلك هي عبادة
غير الله، فقال تعالى:
{وَيَعْبُدُونَ
مِنْ دُونِ اللهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ
وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ
شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللهِ}
،
يقولون:
نحن
نعلم أنهم مخلوقون، وأنهم ليس لهم من
الأمر شيء، ولكننا فعلنا ذلك من أجل أن
يشفعوا لنا عند الله لأن لهم مكانة عند
الله، كما قال تعالى:
{وَالَّذِينَ
اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ}
يعني:
يعبدونهم،
{مَا
نَعْبُدُهُمْ}
،
اعترفوا أنهم يعبدونهم {إِلَّا
لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ زُلْفَى
إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي
مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ
اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ
كَفَّارٌ}
سَمَّى
فعلهم هذا كذباً، وسَمّاه كفراً، ولم
تنفعهم اعتذاراتهم، وذلك لأنهم قاسوا
الخالق سبحانه وتعالى على ملوك الدنيا،
فكما أنهم من عادتهم عند ملوك الدّنيا
أنهم يوسطون الشفعاء بينهم وبين الملوك
في قضاء حوائجهم، قاسوا الله جل وعلا
بخلقه، اتخذوا عند الله الشفعاء كما
يتخذونهم عند الملوك والرؤساء، وهذا
باطل، لأنه تسوية بين الخالق والمخلوق،
فإن ملوك الدنيا أو سلاطين الدّنيا أو
رؤساء النّاس في الدّنيا يقبلون الشفاعة
لحاجتهم إلى ذلك، وذلك لأن الملك أو الرئيس
بحاجة إلى الوزراء والمستشارين ليعينوه
على أمور الملك، فلو لم يقبل شفاعتهم
لنفروا منه، ولم يعينوه، والله جل وعلا
غني عن خلقه، ليس بحاجة إلى أن يعينه أحد،
بخلاف الملوك والسلاطين فهم بحاجة.
وأيضاً
ملوك الدّنيا والسلاطين لا يعلمون أحوال
الرّعيّة، فهم بحاجة إلى هؤلاء ليبلغوا
حاجات النّاس وأحوال الناس، فإذا بلغهم
هؤلاء الوسائط والشفعاء، فقد بلّغوهم ما
لم يعرفوا من أحوال رعيتهم، أما الله جل
وعلا فإنه يعلم كل شيء، لا تخفى عليه أحوال
عباده، يعلم المحتاجين والمرضى والفقراء
وأصحاب الحاجات، يعلم ذلك بدون أن يخبره
أحد سبحانه وتعالى، فلا يقاس الخالق
بالمخلوق.
وأيضاً
الملوك والرؤساء ولو علموا بأحوال الناس،
فإنهم قد لا يلينون لهم، ولا يلتفتون
إليهم، لكن إذا جاءهم هؤلاء الوسطاء،
وتكلموا معهم أثّروا فيهم،
فقبلوا
الشفاعة، أما الله جل وعلا فإنه لا يؤثر
عليه أحد، الله جل وعلا يريد الرحمة
لعباده، ويريد المغفرة، ويريد قضاء حاجات
الناس، وإعطاءهم، ورزقهم، هو مريد لذلك
سبحانه وتعالى بدون أن يؤثّر عليه أحد.
ففيه
فرق بين الخالق والمخلوق من هذه الوجوه،
من ناحية أن الله غني لا يحتاج إلى إعانة
الشّفيع، ومن ناحية أن الله عليم لا يحتاج
إلى إخبار الشفيع عن أحوال خلقه، ومن
ناحية أن الله سبحانه وتعالى مريد للخير
والرحمة لعباده، وقضاء حوائجهم، إذا هم
طلبوا من الله بصدق، ولجؤوا إليه بإخلاص، قضى حوائجهم، بدون أن يكون هناك واسطة.
فتبيّن
لنا إذاً الفرق بين الخالق والمخلوق،
فغلِط المشركون في ذلك حيث سووا الخالق
بالمخلوق، واتخذوا الشفعاء عنده كما
يتخذون الشفعاء عند الملوك والرؤساء.