الأحد، 1 ديسمبر 2013

دعاء غير الله شرك فيجب على العباد أن يتوجهوا إلى الله، وأن يدعو الله وحده، ولا يدعوا معه غيره سبحانه وتعالى


قال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله في شرحه لكتاب التوحيد(1/194-195): قول الله تعالى: {وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللهِ مَا لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِنَ الظَّالِمِينَ (106) } "، والآية التي تليها: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (107) } الآيتان من آخر سورة يونس.
يقول الله جل وعلا لنبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " {وَلا تَدْعُ} " هذا نهي من الله لنبيه عن دعاء غير الله، والخطاب الموجه للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ موجه إلى أمته، إلاَّ إذا دلّ دليل على اختصاصه به، فهذا النداء عام للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولأمته، ولأنه إذا نُهي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ذلك، فغيره من باب أولى.
" {وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللهِ} " أي: غير الله.
" {مَا لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ} " " {مَا} " موصولة، أي: الذي لا ينفعك ولا يضرك، وذلك لأن المدعو إما أن يُطلب منه جلب خير، وإما أن يطلب منه دفع ضرر، وهذا إنما يختص بالله سبحانه وتعالى، فإنه هو الذي يقدر على دفع الضرر وجلب الخير، ودعاء الأموات وأصحاب القبور والأصنام والأوثان والأشجار والأحجار، لا يجلب خيراً ولا يدفع ضرراً. وكل ما يُدعى من دون لأنها إما أحجار جامدة، وإمّا صور وتماثيل، وإما قبور هامدة، وإما أشجار، أو غير ذلك، فهي مخلوقات لا تقدر على جلب نفع ولا دفع ضرر، فالدعاء إنما يصلح أن يوجه لمن يقدر على ذلك، وهو الله سبحانه وتعالى.
" {فَإِنْ فَعَلْتَ} " يعني: دعوت غير الله مما لا ينفعك ولا يضرك، وهذا من باب الافتراض، وإلاّ محال أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سيفعل ذلك، ولكن لو قُدِّر أنه فعله وهو أكرم الخلق، فإنه يكون من الظالمين، فكيف بغيره، إذا دعا غير الله؟، وهذا مثل قوله تعالى: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (65) } يعني: أوحي إلى الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإلى غيره من الأنبياء السابقين أنه لو قُدِّر أن أحداً منهم- وحاشاهم عليهم الصلاة والسلام- دعا غير الله، وأشرك بالله حبط عمله، وصار من الخاسرين ولو كان من الأنبياء، فكيف بغيرهم؟، ولما ذكر الله سبحانه وتعالى إبراهيم وذريته، فقال: {وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (84) وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ (85) وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكُلّاً فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ (86) } ، لما ذكر الله سبحانه وتعالى أنبياءه في هذه الآيات قال: {وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} ، لو أشرك هؤلاء الأنبياء {لَحَبِطَ} أي: لبَطَلَ {عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} أي: بطلت جميع أعمالهم. فدلّ على أن الشرك مُحبط للأعمال، ولو صدر من خير الخلق، وهم الأنبياء، فكيف إذا صدر ممن هو دونهم؟، إذاً هو يُخرج من المِلّة، ويُحبط جميع الأعمال، فالدعاء عبادة، بل هو أعظم أنواع العبادة، قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الدعاء هو العبادة" كما قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الحج عرفة" يعني: أعظم أركان الحج عرفة، فكذلك أعظم أنواع العبادة الدعاء.
ثم قال تعالى: " {فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِنَ الظَّالِمِينَ} " يعني: من المشركين، لأن الشرك أعظم أنواع الظلم، كما قال تعالى: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} ، والظلم في الأصل: وضع الشيء في غير موضعه، والشرك وضع للعبادة في غير مستحقها، فلذلك صار أعظم أنواع الظلم.
وقوله: " {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ} " هذا تقرير لإبطال دعاء غير الله، " {فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ} " هذا- أيضاً- فيه إبطال دعاء غير الله، لأن هذه المدعوات لا تقدر على كشف الضر، ولا تقدر على جلب الخير، وهذا كما في قوله: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلاً (56) } ، {قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ} ، وفي قوله تعالى: {مَا يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (2) } ، وكما في قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "واعلم أن الناس لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لن ينفعوك إلاَّ بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلاَّ بشيء قد كتبه الله عليك، رُفعت الأقلام، وجَفَّتِ الصحف".
فالنفع والضرر إنما هو من الله سبحانه وتعالى، فهو الذي يستحق أن يُدعى لطلب الخير، ويُدعى- أيضاً- لرفع الشر، وكشف الضر، هو الذي يملك ذلك سبحانه وتعالى، لا تملكه جميع المخلوقات، وكذلك في سورة الأنعام: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (17) } ، فالنفع والضر بيد الله سبحانه وتعالى، فيجب على العباد أن يتوجهوا إلى الله، وأن يدعو الله وحده، ولا يدعوا معه غيره سبحانه وتعالى.