قال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله في شرحه لكتاب التوحيد(2/5-7):
التطيُّر مصدر:
تطيّر
تطيُّراً وطِيَرة، وهو:
التشاؤم
بالأشياء، واعتقاد أنه يصيب الإنسان منها
شيء من الشر.
وأصله
مأخوذٌ من الطير، لأنهم كانوا في الجاهلية
يتشاءمون بالطيور وفي طَيَرانها؛ إذا
رأوها تطير على جهةٍ مخصوصة عندهم تشاءموا
بها، ورجعوا عمّا عزموا عليه من الأسفار
أو الزيجات أو غيرها، ثمّ عَمَّ هذا وصاروا
يتطيّرون بكل شيء، فيتطيّرون بالبِقاع،
ويتطيّرون بالآدمييِّن، ويتطيّرون
بالبهائم، ويتطيّرون بكل شيء.
لكن
أصل التطيُّر مأخوذٌ من الطير؛ لأنهم
كانوا في الجاهلية يتطيّرون من الطير في
حركاتها وطيَرانها وتحريكها لأجنحتها
واتّجاهاتها في الطَيران، إلى غير ذلك.
فهو
عقيدة جاهلية، بل إنه موجود في الأمم
القديمة؛ فهؤلاء قوم فرعون تطيّروا بموسى
ومن معه، يعني:
تشاءموا
بموسى عليه السلام وبمن معه من المسلمين،
قال تعالى:
{فَإِذَا
جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا
هَذِهِ}
الحسنة
المراد بها هنا:
الخصْب
والأرزاق ونزول الأمطار، {قَالُوا
لَنَا هَذِهِ}
استحقيناها
على الله بأفعالنا، فنحن نستحقُّ هذا،
ولا يعترفون أنه فضلٌ من الله تعالى، بل
ينسبون هذا إلى استحقاقهم، وأنهم حصلوا
على هذه الشيء بسبب أنهم ناسٌ أهل خير،
فما يصيبهم من الحسنات قي السنين يقولون:
هذا
بسبب أفعالنا، وبسبب صفاتنا، وبسبب كسبنا
وكدِّنا، جحدوا نعمة الله عليهم.
{وَإِنْ
تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ}
المراد
بالسيئة هنا:
الجدْب،
وانحباس الأمطار، وشُحُّ الآبار، وتلف
الثمار.
فإنهم
ينسبون هذا إلى موسى عليه السلام، ومنْ
معه من المؤمنين، فيقولون هذا الذي أصابنا
بسببهم، فيتطيّرون بخير النّاس-
والعياذ
بالله-.
والحق
أنّ موسى ومن معه من المؤمنين هم سبب
الخيرات، وهم سبب البركات، لأن الرسل-
عليهم
الصلاة والسلام-
يُصلحون
في الأرض بالطاعات فتنزل الخيرات، كما
قال تعالى:
{وَلَوْ
أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا
لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ
السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ
كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا
يَكْسِبُونَ (96)
} .
فالمؤمنون
هم سبب الخير لا سبب الشر كما يظنه أهل
الجاهلية، إنما سبب الشر هم العُصاة
والمشركون والكَفَرة، فما يصيب أهل الأرض
من الكوارث والمصائب إنما هو بسبب العُصاة،
وما يصيبها من الخيرات فهو بفضل الله،
وسببه أهل الطاعات وأهل الصلاح والتقوى؛
ولهذا إذا خَلَت الأرض من الصالحين في
آخر الزمان تقوم القيامة وتخرب الدنيا،
"ولا
تقوم الساعة وفي الأرض من يقول:
الله،
الله"،
و"لا
تقوم الساعة إلاَّ على شرار الخلق".
فإذا
خلت الأرض من الصالحين قامت القيامة، أما
ما دام الصالحون موجودين فإن الله سبحانه
وتعالى ينزل على أهل الأرض الخيرات
والبركات بسبب وجودهم، عكس ما يعتقده آل
فرعون من التطيُّر بالرسل-
عليهم
الصلاة والسلام-.
وكذلك
ثمود، تطيّروا بصالح عليه السلام لَمّا
دعاهم إلى الله سبحانه وتعالى
{قَالُوا
اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ}
.
وكذلك
أهل القرية الذين ذكرهم الله في سورة "يس"
لَمّا
جاءتهم الرسل قال تعالى:
{وَاضْرِبْ
لَهُمْ مَثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ
إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ (13)
إِذْ
أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ
فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ
فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ
(14)
قَالُوا
مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا
وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ
إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ (15)
قَالُوا
رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ
لَمُرْسَلُونَ (16)
وَمَا
عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ
(17)
قَالُوا
إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ}
يعني:
تشاءمنا
بكم، وما جئتمونا بخير، {لَئِنْ
لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ
وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ
أَلِيمٌ}
هدّدوا
الرسل وقالوا:
ما
رأينا منكم إلاَّ الشرّ فرد
عليهم الرسل:
{قَالُوا
طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ}
أي:
ما
أصابكم فأنتم سببه، لأن سببه الذنوب
والمعاصي التي تصدُر منكم والكفر، فأنتم
السبب، ونحن سبب الخير، نحن رسلٌ من عند
الله جئناكم، لو أطعتمونا لحصلتم على
الخير؛ فهذا ردٌ عليهم، فهذا فيه:
بيان
أن الشر والشؤم سببه المعاصي والكفر
والشرك بالله.
وكذلك
المشركون تطيّروا بمحمد صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خاتم الرسل وأفضل
الرسل، تطيّروا به، كما قال تعالى:
{وَإِنْ
تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ
مِنْ عِنْدِ اللهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ
سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ}
يخاطبون
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
{تُصِبْهُمْ
حَسَنَةٌ}
يعني:
خير
وخصب ونبات وزروع وخيرات، يقولون:
هذه
من عند الله، نعم، صحيح أنها من عند الله،
الله هو الذي أنزلها، {وَإِنْ
تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ}
: قحطٌ
جدْب شُحٌّ في الأرزاق {يَقُولُوا
هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ}
بسببك
يا محمد، وبسبب أتباعك، {قُل
كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ}
كلٌّ
بقضاء الله وقدره، الخصب والخيرات والجدب
والقحط كله من عند الله وبقضائه وقدره،
ولكن الخصب والخيرات سببها الطاعات، وأما
الجدْب والقَحْط وانحباس الأمطار فسببه
المعاصي والسيّئات، فالسبب من قِبل بني
آدم وأما المقدِّر فهو الله تعالى، هو
الخالق وهو الموجِد سبحانه وتعالى، ويعطي
كلاًّ على حسب عمله؛ المحسِن يحسن إليه،
والمسيء يعاقبه إذا شاء سبحانه وتعالى،
فالأمر كله بيد الله.
فالحاصل؛
أن التطيُّر عادةٌ جاهلية، ذكرها الله
سبحانه وتعالى عن الأمم الكافرة من قوم
فرعون، وثمود، وأصحاب ياسين، وأهل الجاهلية
الذين بُعث إليهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم يؤمنوا به، بل
تطيّروا به.
وهذه
العادة الجاهلية لا تزال في النّاس إلى
أن تقوم الساعة.