قال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله في شرحه لكتاب التوحيد(1/180-181): الشيخ
رحمه الله(1) في هذه الأبواب إنما يحكي
أنواعاً تقع من بعض الناس وهي من الشرك،
يريد أن يحذر المسلمين منها، ومن ذلك:
النذر
لغير الله من الجن، أو الأولياء والصالحين،
أو أصحاب القبور، وهذا عبادة لغير الله
عزّ وجلّ فهو شرك، وهذا واقع في هذه الأمة
بكثرة، من حين وُجدت الأضرحة، وبُنيت على
القبور، وصار كثير من الناس يتجهون إليها،
لأنهم قيل لهم:
إن
هذه القبور فيها بركة، وفيها نفع، وفيها
دفع ضرر، وإنها مجرَّبة، فمن نذر للقبر
الفلاني، أو للشيخ الفلاني، فإنه يحصل
له مقصوده، إن كان مريضاً يُشفى، وإن كانت
امرأة تريد الحمل فإنها إذا نذرت للشيخ
الفلاني أو للقبر الفلاني تحمل، وإذا حصل
بالناس تأخر مطر ونذروا لهذه القبور نزل
المطر، إلى غير ذلك من المُغْريات.
وقد
يفعلون هذا ويحصل لهم مقصودهم ابتلاءً
وامتحاناً من الله سبحانه وتعالى، أو أن
هذا يصادف قضاءً وقدراً فيحصل، ويظنوا
أنه بسبب النذر لهذا الميت أو لهذا القبر
أو هذا الوليّ-
بزعمهم-.
وحصول
المقصود لا يدل على جواز الفعل، فيجب أن
يُتنبّه لهذه الشبهة، لأنهم أهلكوا بها
كثيراً من الناس، يقولون:
القبر
الفلاني مجرَّب، إذا فعل الإنسان عنده
نذراً أو ذبح ذبيحة يحصل له مقصوده، فبذلك
انصرفت قلوب كثير من العوام والجُهَّال،
أو حتى بعض من العلماء غير المحقِّقين
إلى فعل هذا، والنبي صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول:
"وإنما
أخاف على أمتي الأئمة المضلين"،
فالخطر شديد من هذه الأمور، لأنها كثُرت
في الأمة، بسبب وجود هذه الأوثان التي
يسمونها الأضرحة:
ضريح
السِتِّ نفيسة، ضريح البدوي، ضريح لفلان،
صُرفت لها العبادات، من نذور، وذبح لغير
الله، وتبرّك بها، وطواف بها، ودعاء
عندها، إلى غير ذلك، أو استغاثة بها من
دون الله عزّ وجلّ، يدعونها:
المدد
يا فلان، المدد يا سيّدي فلان، أو يا رسول
الله، أو يا عليّ، أو يا أي شخص ينادونه،
حتى في حالة الشدائد التي كان المشركون
الأولون يُخلصون فيها الدعاء لله، هؤلاء
كلما اشتد بهم الكَرْب زاد شركهم، فصاروا
يستغيثون بالأولياء، فالسفينة -أو
المركب-
إذا غرق في البحر-
أو
أشرف على الغرق-
صاروا
ينادون عليًّا، أو فلاناً، أو فلاناً؛
أدركنا، المدد يا فلان، ولا يقولون:
يا
الله، مع أن المشركين الأوّلين إذا مسّهم
الضر في البحر ضل من يدعون إلاَّ الله
سبحانه وتعالى، فينادون الله، ويُخلصون
له الدين، فإذا أنجاهم إلى البر عادوا
إلى الشرك.
_______________________
(1): المقصود: الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله