قال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله في شرحه لكتاب التوحيد(1/125-127) وعند شرحه على قول المؤلف: وقول
الله تعالى:
{أُولَئِكَ
الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى
رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ
أَقْرَبُ}
الآية:
والوسيلة
معناها في الأصل السبب الذي يُوَصِّل إلى
المقصود، فالسبب الذي يُوَصِّل إلى
المقصود يسمى:
وسيلة.
وأما
معناها هنا: الطاعة
والعبادة، وليس معناها ما يظنُّه،
القبوريُّون والمخرِّفون أن الوسيلة
معناها:
أن
تجعل بينك وبين الله شخصاً يرفع حوائجك
إلى الله.
هذه
هي الوسيلة عند المشركين قديماً وحديثاً،
كما يتخذ الناس الوسائط عند الملوك وعند
السلاطين، قاسوا الله جل وعلا بالخلق،
فكما أن الناس لا
يتوصلون إلى الملوك والسلاطين إلاَّ
بوسائط من الوزراء والمقرّبين لدى الملوك
ليبلّغوا حوائجهم إلى الملوك والسلاطين،
قاسوا الله جل وعلا على خلقه، فقالوا:
لابد
أن نجعل بيننا وبين الله واسطة ترفع
حوائجنا إلى الله عزّ وجلّ.
وتقرّبوا
إلى هؤلاء الوسائط بأنواع العبادات:
فذبحوا
لهم من دون الله، ونذروا لهم من دون الله،
كالحاصل عند قبور الأولياء اليوم، يذبحون
للقبور، وينذرون لها، ويطوفون بها،
ويتمرّغون على ترابها، ويتمسحون بجدرانها
وشبابيكها؛ من أجل أن هؤلاء الموتى رجال
صالحون، يرفعون حوائج هؤلاء إلى الله
بزعمهم.
هذه
هي الوسيلة عند هؤلاء، الذين انتكست
أفهامهم، وهذا تنقُّص لله سبحانه وتعالى،
وقد رد الله عليهم بقوله:
{وَيَعْبُدُونَ
مِنْ دُونِ اللهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ
وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ
شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللهِ}
،
وقال تعالى:
{وَالَّذِينَ
اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ
مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا
إِلَى اللهِ زُلْفَى إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ
بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ
إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ
كَفَّارٌ}
،
اتخذوا الوسائط من الأولياء بزعمهم أنهم
يقرّبونهم إلى الله زلفى، أو يشفعون لهم
عند الله، فعبدوهم من دون الله، فصرفوا
العبادة للمخلوقين من أجل أن المخلوقين
يتوسطون عند الله سبحانه وتعالى.
هذا
شرك الأولين وشرك أهل هذا الزمان باتخاذ
الوسائط والشفعاء من الأموات والغائبين
بينهم وبين الله سبحانه وتعالى، وصرفوا
لهم أنواع العبادات والقُربات، بما زيّن
لهم شياطين الإنس والجن من هذه الأباطيل،
هذه هي الوسيلة عند هؤلاء.
أما
الوسيلة في القرآن والسنة فمعناها:
الطاعة
والعبادة، وليست اتخاذ الأشخاص وسائط،
وإنما هي الطاعة والعبادة لله عزّ وجلّ،
والله تعالى قريب مجيب، يعلم كل شيء، ليس
بحاجة بأن تجعل بينك وبينه وسائط، بل ارفع
حوائجك إليه، مباشرة، وصلِّ له، وانحر
له، وانذر له، واعبده، وهو سبحانه وتعالى
قريب مجيب:
{وَإِذَا
سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي
قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا
دَعَانِ}
،
ما الداعي إلى إنك تجعل بينك وبين الله
وسائط وهو قريب يسمعك ويراك سبحانه وتعالى
ويجيب؟، {وَإِذَا
سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي
قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا
دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي
وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ
يَرْشُدُونَ}
،
باب الله مفتوح في الليل والنهار، وهو
قريب من عباده سبحانه وتعالى، لا
يغيب، ولا يخفى عليه شيء، ينزل كل ليلة
إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر،
فيقول:
"هل
من سائل فأعطيه؟، هل من داع فأستجيب له؟،
هل من مستغفر فأغفر له؟، هل من تائب فأتوب
عليه؟ ".
فالله
سبحانه وتعالى ليس بحاجة إلى أنك تتخذ
بينك وبينه وسائط من الأشخاص؛ من الأنبياء
والصالحين والملائكة، بل ادعُهُ مباشرة،
وتقرّب إليه مباشرة.
وخواص
عباده من الملائكة والأنبياء يبتغون إليه
الوسيلة، ويرجون رحمته، ويخافون عذابه:
{إِنَّ
عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً}
،
يخاف منه أولياء الله سبحانه وتعالى
العارفون به.
فهذه
الآية فيها أن من معنى لا إله إلاَّ الله:
أن
لا يُدعى إلاَّ الله، وأنها لا تتخذ
الوسائط بين العباد وبين الله من الخلق،
فمن اتخذ بينه وبين الله واسطة فقد أخلّ
بمعنى:
لا
إله إلاَّ الله.
هذه
الآية تدل
على أن من معنى لا إله إلاَّ الله أن يُصرف
الدعاء والتقرّب والعبادة لله سبحانه
وتعالى، لا تُصرف لأحد من خلقه بحجة أنه
واسطة بين العبد وبين ربه عزّ وجلّ، لأن
الله ليس بينه وبين عباده واسطة من هذا
النوع.
أما
الواسطة في تبليغ الوحي فإن بين الله وبين
عباده واسطة لتبليغ الوحي والرسالات.
أما
الواسطة بين العباد وبين الله في رفع
حوائجهم؛ فهذه غير موجودة، ولهذا يقول
شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
"هناك
واسطة من جحدها فقد كفر، وهناك واسطة من
أقرّ بها فقد كفر".
فما
هي هذه الواسطة التي من جحدها فقد كفر؟
هم
الرسل-
عليهم
الصلاة والسلام-،
فهم واسطة بين الله وبين عباده في تبليغ
الرسالات والأوامر والنواهي، فمن جحدها
فقد كفر، لأنه جحد رسالة الرسل.
وهناك
واسطة من اقرّ بها فقد كفر، وهي أن يجعل
إنسان بينه وبين الله واسطة في تبليغ
حوائجه ورفع دعائه، يتقرّب إلى هذه الواسطة
بالعبادة، وهذه الواسطة-
بزعمه-
تطلب
له من الله ما يحتاجه.