قال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله في شرحه لكتاب التوحيد(1/187-188): الجن
المُراد بهم:
عالم
من عالم الغيب، يعيشون معنا في هذه الأرض،
وهم مكلّفون، مأمورون بطاعة الله،
ومَنْهِيُّون عن معصية الله، مثل الإنس،
لكننا لا نراهم، قال تعالى:
{إِنَّهُ
يَرَاكُمْ}
يعني:
إبليس
{هُوَ
وَقَبِيلُهُ} يعني:
جماعته
من الجن {مِنْ
حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ}
،
فهم يروننا ونحن لا نراهم، وقد يتصوّرون
بصور متشكّلة، ويتصوّرون بصور حيّات،
وبصور حيوانات، وبصور آدميين، أعطاهم
الله القُدرة على ذلك، وهم عالم مخلوق من
نار، والإنس خُلقوا من الطين، كما قال
تعالى:
{خَلَقَ
الْأِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ
(14)
} يعني:
من
الطين، {وَخَلَقَ
الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ (15)
} الجان:
جمع
جنِّي، سُمُّوا بالجن لاجتنانهم أي:
استتارهم
عن الأنظار، ومنه سُمِّي الجَنين في بطن
أمه لأنه لا يُرى، فهو مُجْتَنّ في بطن
أمه، ومنه المِجن الذي يتّخذ في الحرب
يتوقّى به المقاتل سهام العدو، سُمِّي
مِجَنًّا لأنه يُجِنُّه من السهام، ومنه
قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"الصوم
جُنّة"
بمعنى:
أنه
ساتر بين العبد وبين المعاصي، يستتر به
من المعاصي، ومن كيد الشيطان، ومنه قوله
تعالى:
{فَلَمَّا
جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً}
{جَنَّ
عَلَيْهِ}
يعني:
غطّاه
ظلام الليل.
فالحاصل؛
أن الجن عالم خفي، لا نراهم، وهم يعيشون
معنا، وهم مكلّفون كما كُلِّفنا بالأوامر
والنواهي.
والإيمان
بوجودهم من الإيمان بالقلب، تصديقاً لخبر
الله سبحانه وتعالى، وخبر رسوله صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فوجود الجن
ثابت بالكتاب والسنة والإجماع، ومن جحد
وجود الجن فهو كافر، لأنه مكذِّب لله
ولرسوله ولإجماع المسلمين، وهل كل ما لا
يراه الإنسان يُنكر؟.
وقد
ظهرت طائفة من جهلة الأطباء-
كما
يقول الإمام ابن القيّم-،
وكذلك من بعض المفكِّرين والكُتّاب
المنتسبين للإسلام؛ ينكرون وجود الجن،
لأنهم لا يؤمنون إلاَّ بما تقرّه عقولهم،
وعقولهم لا تتّسع للتصديق بهذه المغيّبات،
وكذلك الجن يمسُّون الإنس ويخالطونهم
ويصرعونهم، وهذا شيء ثابت، لكن من جَهَلَة
الناس من يُنكر صَرْع الجن للإنس، وهذا
لا يَكْفُر، لأن هذه مسألة خفيّة، ولكنه
يُخطّأ، فالذي يُنكر مسّ الجن للإنس لا
يُكَفَّر، ولكن يضلّل، لأنه يُكذِّب بشيء
ثابت، أما الذي يُنكر وجودهم أصلاً فهذا
كافر.