قال الله تعالى:{ وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مَسْجِداً ضِرَاراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَاداً لِّمَنْ حَارَبَ اللّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ وَلَيَحْلِفَنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى وَاللّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * لاَ
تَقُمْ فِيهِ أَبَداً }
[ التوبة107/108]
قال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله في شرحه لكتاب التوحيد(1/174-175):
"قول
الله تعالى:
" {لا
تَقُمْ فِيهِ أَبَداً} ""
أي:
في
مسجد الضرار، نهيٌ للنبي صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الصلاة في هذا
المسجد.
وقصته:
أنّ
أبا عامر الفاسق كان قد قرأ الكتب السابقة
في الجاهلية، وتعبّد حتى صار يُقال له:
"أبو
عامر الراهب"،
ويعظِّمه الناس لِمَا يظهر عليه من الدين؛
فلما هاجر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ إلى المدينة حسده وكفر به،
وأبغض الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ؛ وسمّاه النبي بـ "أبي
عامر الفاسق"،
لأنه خرج عن طاعة الله وكفر برسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ثم
ذهب هذا الكافر إلى الشام يؤلِّب النصارى
على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، وكتب وهو في الشام إلى جماعة
من المنافقين في المدينة:
أنِ
ابْنوا لنا مكاناً من أجل أن نجتمع فيه
ونتشاور.
يريدون
أن يكون هذَا المكان محل اجتماع لأعداء
الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
يتشاورون فيه للكيْد للإسلام، وكانوا لم
يجرءوا على أن يبنوه على أنه مَجْمَع،
فأظهروه بصورة المسجد، وقالوا:
بنيناه
من أجل الضعيف والمريض والليلة المطيرة
أو الليلة الشاتَية، وطلبوا من الرسول
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن
يصلّي فيه، يريدون من هذا التغطية والخديعة.
فوعدهم
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقال:
"إنا
على سفر إلى غزوة تبوك، إنْ شاء الله إذا
رجعنا نصلي فيه"،
فلما رجع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ من تبوك ولم يبق على وصوله إلى
المدينة إلاَّ ليلة -
أو
ليلتان-
أتاه
الوحي من السماء، قال الله سبحانه وتعالى:
{لا
تَقُمْ فِيهِ أَبَداً}
،
وبيّن سبحانه مقاصدهم الخبيثة في هذا
البناء.
وقوله:
{لا
تَقُمْ فِيهِ أَبَداً}
فيه:
منع
الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
من الصلاة في هذا المسجد وتيئيس لهؤلاء.
ففي
هذا:
أن
النّيات تؤثِّر في الأمْكنة والمباني،
النيّات الخبيثة تؤثر في الأمكنة والبِقاع
خبثاً، والنيّات الصالحة تؤثِّر فيها
بركة وخيراً.
ففيها:
الحث
على إصلاح المقاصد، وفيها:
دليلٌ
على أن الاعتبار بالمقاصد لا بالمظاهر؛
هؤلاء بنوا مسجداً في الظاهر، ولكن ليس
مقصودهم المسجد، فدلّ على أن ما كل من
أظهر الصلاح يُقبَل منه حتى تُعرف حقيقته.
وفيه:
التنبيه
على خِداع المخادِعين، وأن يكون المؤمنون
على حذر دائماً من المشبوهين ومن تضليلهم،
وأنهم قد يتظاهرون بالصلاح، ويتظاهرون
بالمشاريع الخيرية، ولكن ما دامت سوابقهم
وما دامت، تصرُّفاتهم تشهد بكذبهم فإنه
لا يُقبل منهم، ولا ننخدع بالمظاهر دون
نظر إلى المقاصد
وإلى ما يترتب -ولو
على المدى البعيد-
على
هذه المظاهر.