قال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله في شرحه لكتاب التوحيد(1/140-141): الإمام
أحمد بن حنبل الشيباني، الإمام الجليل،
أحد الأئمة الأربعة، شيخ المحدّثين رحمه
الله، وهو الإمام الذي امتُحن وصبر،
امتُحن في العقيدة على يد المأمون والمعتصم
والواثق من خلفاء بني العباس، لأن المأمون
تأثّر بالمعتزلة، وأدخلوا عليه أشياء
مستنكرة، منها:
القول
بخلق القرآن-
والعياذ
بالله-،
ومنها:
تعريب
الكتب الرُّومية وكتب الأمم الكافرة،
التي لما عُرِّبت دخل على عقائد المسلمين
منها الشر الكثير، وهذا كله بسبب المعتزلة،
لأنهم غرّروا بهذا الخليفة.
ففي
هذا خطر الفِرق الضالة، وخطر مصاحبتها
والقُرب منها، ولهذا كان السلف يُحذِّرون
من مصاحبة المبتدعة ومن مجالستهم، لأنهم
يُؤثِّرون على من صاحبهم.
وقد
قال الله تعالى:
{يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا
بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ
خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ
بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ
وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ}
.
فهؤلاء
لما صاحبوا هذا الخليفة استمالوه معهم،
فصار ضد أهل السنّة، ووقف الإمام أحمد في
وجهه، وأبى أن يقول بخلق القرآن، حتى ضُرب
وسُجن وعُذّب، ولكنه صبر رحمه الله وصابر،
وتعاقب عليه ثلاثة خلفاء، كلهم ضدّه:
المأمون،
والمعتصم، والواثق، ولكنه صبر ووقف بحزم
وثبات، ولم يَخْضع لهم، وصبر على الضرب
وعلى الحبس، وعلى الإهانة حتى نصره الله
عزّ وجلّ، وجاء المتوكِّل ورفع عنه المحنة،
وناصره، وصارت العاقبة للمتقين-
والحمد
لله-،
وأخزى الله المعتزلة ومن تابعهم.
فهذا
الإمام يجب أن نعرف موقفه من أجل أن نقتدي
به، وأن نعرف-
أيضاً-
موقفنا
من الفِرق الضالة والفِرق المخالفة لأهل
السنة والجماعة حتى لا نتساهل معها، ونعمل
عمليّة تجميع، ونقول:
نحن
نجمِّع ولا نفرّق كما تقوله بعض الجماعات!.
بل
يجب أن نفرّق بين أهل الحق وأهل الباطل،
نحن مع أهل الحق وإن قَلُّوا، ولسنا مع
أهل الباطل وإن كثروا، هذا هو الموقف
الصحيح.
فالإمام
أحمد وحده وقف في وجه أمة، ونصره الله
عليهم، ولا بد أن الإنسان يناله أذى في
مقابل موقفه وصبره وثباته، لكن ما دام
على الحق لا يهمه ذلك، وهذا في موازينه
وفي حسناته عند الله سبحانه وتعالى.