قال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله في شرحه لكتاب التوحيد(1/138-140) وعند شرحه على حديث عمران بن حُصين رضي الله عنه، أن النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأى
رجلاً في يده حلْقة من صُفْر، فقال:
"ما
هذا؟ ". قال:
من
الواهِنَة.
فقال:
"انزعها،
فإنها لا تزيدك إلاَّ وهناً، فإنك لو متّ
وهي عليك ما أفلحت أبداً"،
رواه أحمد بسند لا بأس به.
الحلْقة
هي:
الشيء
المستدير الذي يُدار على العضد، أو على
الذِّراع، أو على الأصبع.
فالشيء
المستدير يسمى حلْقة، ومنه تحلّق القوم
إذا استداروا في الجلوس.
"من
صُفر"
الصفر
نوع من المعدن معروف.
"فقال
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"ما
هذا؟ " " الظاهر
أنه سؤال إنكار، وقيل:
إنه
سؤال استفهام، فالنبي صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سأله عن قصده في هذه
الحلقة.
ففيه
دليل على وجوب إنكار المنكر، وفيه دليل
على أن الإنسان لا ينكر شيئاً حتى يعرف
مقصود صاحبه إذا كان الشيء محتمِلاً، فإن
كان مقصود صاحبه شرًّا فإنه ينكره.
"قال:
من
الواهنة"
يعني:
لبستها
من أجل دفع الواهنة، لتقيني منها، والواهنة
مرض يصيب اليد، يُسَمَّى عند العرب
بالواهنة، وكان من عادتهم لبس الحلْقة
من أجل توقِّي هذا الوجع، يزعمون أن هذه
الحلْقة تدفع هذا الوجع.
"فقال
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"انزعها"
النزع
معناه:
الرفع
بشدّة، أي:
ارفعها
مسرعاً بنزعها ونشيطاً في رفعها لا تتوانى،
في تركها على جسمك، لأنها مظهر شرك-
والعياذ
بالله-.
ففيه
المبادرة بإزالة مظاهر الشرك، وأن الإنسان
لا يتوانى في تركه.
ثم
علّل صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
ما في بقائها عليه من الضرر، قال:
"فإنها
لا تزيدك إلاَّ وهناً"
إلا
ضعفاً، فالوهن معناها:
الضعف
والمرض.
فهذا
فيه دليل على أن لبس هذه الأشياء من
الحلْقة ونحوها بقصد دفع الضرر أنه يسبّب
عكس المقصود، فإنه لبسها من أجل توقِّي
المرض، والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أخبر أنها تجلب المرض، وذلك
ظاهر في الذين يتعاطون هذه الأشياء؛ تجدهم
دائماً في قَلَق وفي خوف، لكن الذي يتوكل
على الله لا يهمّه شيء فتجده نشيطاً، قويّ
العزيمة، مرتاح الضمير، منشرح الصدر،
وتجد الذي يخاف من غير الله ويستعمل هذه،
الرباطات ضعيف الجسم، منهك القوى، مهموماً
حزيناً، يتخوّف من كل شيء.
"فإنك
لو متّ وهي عليك ما أفلحت أبداً"
أي:
لو
مات ولم يتب منها ما أفلح أبداً.
فهذا
فيه دليل على أن الشرك لا يُغفر حتى ولو
كان شركاً أصغر، يُعذّب به، وإن كان لا
يعذّب تعذيب المشرك الشرك الأكبر؛ فلا
يخلّد في النار، لكن يعذّب بها بقدره.
قال
الشيخ رحمه الله في مسائله:
"فيه
شاهد لكلام الصحابة:
أن
الشرك الأصغر أكبر من الكبائر"،
فالشرك الأصغر أكبر من الكبائر، لأن
المعاصي وإن كانت كبائر إذا لم تكن شركاً،
فلا تخل بالعقيدة وأما الشرك الأصغر فإنه
يخلّ بالعقيدة، وأيضاً لا يُغفر على
الصحيح، والمعاصي الكبائر التي دونه
مظِنّة المغفرة:
{إِنَّ
اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ
وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ
يَشَاءُ}
.
والشاهد
من هذا الحديث ظاهر:
لأن
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
استنكر لبس الحلْقة التي يُقصد منها دفع
الضرر، وأخبر أنها لا تزيد صاحبها إلاَّ
مرضاً، وأنه لو مات وهي عليه ما أفلح
أبداً، وهذا فيه دليل على منع لبس الحلْقة
ونحوها من أجل دفع الضرر، أو من أجل دفع
العين، أو غير ذلك من المقاصد السيّئة.
ومثله:
ربط
الخيط على الساق، فبعض الناس يربطون
خيوطاً على سيقانهم، أو على أذرعهم، أو
على أصابعهم، ويقولون:
إن
هذا يمنع من المرض، وهذا هو نفسه فعل
الجاهلية، وهو مثل الذي استنكره النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في
هذا الحديث.