قال الشيخ العثيمين رحمه الله في شرح العقيدة الواسطية(266-268): مسألة:
إذا
تاب القاتل، هل يستحق الوعيد؟
الجواب:
لا
يستحق الوعيد بنص القرآن، لقوله تعالى:
{وَالَّذِينَ
لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ
وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي
حَرَّمَ اللَّهُ إِلاّ بِالْحَقِّ وَلا
يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ
أَثَاماً يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ
مُهَاناً إِلاّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ
وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ
يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ
حَسَنَاتٍ}
[الفرقان:
68-70] ،
وهذا واضح، أن من تاب ـ حتى من القتل ـ،
فإن الله تعالى يبدل سيئاته حسنات.
والحديث
الصحيح في قصة الرجل من بني إسرائيل، الذي
قتل تسعاً وتسعين نفساً، فألقى الله في
نفسه التوبة، فجاء إلى عابد، فقال له:
إن
قتل تسعاً وتسعين نفساً، فهل له من توبة؟!
فالعابد
استعظم الأمر، وقال:
ليس
لك توبة!
فقتله،
فأتم به المائة.
فدل
على عالم، فقال:
إنه
قتل مائة نفس، فهل له من توبة؟ قال:
نعم،
ومن يحول بينك وبين التوبة؟!
ولكن
هذه القرية ظالم أهلها، فاذهب إلى القرية
الفلانية، فيها أهل خير وصلاة، فسافر
الرجل، وهاجر من بلده إلى بلد الخير
والصلاة، فوافته المنية في أثناء الطريق،
فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة الرحمة
وملائكة العذاب، حتى أنزل الله بينهم
حكماً، وقال:
قيسوا
ما بين القريتين، فإلى أيتهما كان أقرب،
فهو من أهلها، فكان أقرب إلى أهل القرية
الصالحة فقبضته ملائكة الرحمة.
فانظر
كيف كان من بني إسرائيل فقبلت توبته، مع
أن الله جعل عليهم آصاراً وأغلالاً، وهذه
الأمة رفع عنها الآصار والأغلال، فالتوبة
في حقها أسهل، فإذا كان هذا في بني إسرائيل،
فكيف بهذه الأمة؟
فإن
قلت:
ماذا
تقول فيما صح عن ابن عباس رضي الله عنهما:
أن
القاتل ليس له توبة؟
فالجواب:
من
أحد الوجهين:
-
إما
أن ابن عباس رضي الله عنهما استبعد أن
يكون للقاتل عمداً توبة، ورأى أنه لا يوفق
للتوبة، وإذا لم يوفق للتوبة، فإنه لا
يسقط عنه الإثم، بل يؤاخذ به.
-
وإما
أن يقال:
إن
مراد ابن عباس رضي الله عنهما:
أن
لا توبة له فيما يتعلق بحق المقتول، لأن
القاتل عمداً يتعلق به ثلاثة حقوق:
حق
الله، وحق المقتول، والثالث لأولياء
المقتول.
أ-
أما
حق الله، فلا شك أن التوبة ترفع، لقوله
تعالى:
{قُلْ
يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا
عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ
رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ
الذُّنُوبَ جَمِيعاً}
[الزمر:
53] ،
وهذه في التائبين.
ب-
وأما
حق أولياء المقتول، فيسقط إذا سلم الإنسان
نفسه لهم، أتى إليهم وقال:
أنا
قتلت صاحبكم، واصنعوا ما شئتم فهم إما أن
يقتصوا، أو يأخذوا الدية، أو يعفوا، والحق
لهم.
جـ-
وأما
حق المقتول، فلا سبيل إلى التخلص منه في
الدنيا.
وعلى
هذا يحمل قول ابن عباس أنه لا توبة له،
أي:
بالنسبة
لحق المقتول.
على
أن الذي يظهر لي أنه إذا تاب توبة نصوحاً،
فإنه حتى حق المقتول يسقط، لا إهداراً
لحقه، ولكن الله عز وجل بفضله يتحمل عن
القاتل ويعطي المقتول رفعة درجات في الجنة
أو عفواً عن السيئات، لأن التوبة الخالصة
لا تبقي شيئاً، ويؤيد هذا عموم آية الفرقان:
{وَالَّذِينَ
لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ
وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي
حَرَّمَ اللَّهُ إِلاّ بِالْحَقِّ.....}
إلى
قوله:
{إِلاّ
مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً
صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ
سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ}
[الفرقان:
70] .