قال الشيخ العثيمين رحمه الله في شرح العقيدة الواسطية(299-303): قوله تعالى:
{مَا
مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ
بِيَدَيَّ}
وقوله
{وَقَالَتِ
الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ
غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا
قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ
يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاء}.
الآيتان
السابقتان فيهما إثبات صفة اليدين لله
عز وجل.
ولكن
قد يقول قائل:
إن
لله أكثر من يدين، لقوله تعالى:
{أَوَلَمْ
يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا
عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَاماً}
[يس:
71] ،
فأيدينا هنا جمع، فلنأخذ بهذا الجمع،
لأننا إذا أخذنا بالجمع، أخذنا بالمثنى
وزيادة، فما هو الجواب؟
فالجواب
أن يقال:
جاءت
اليد مفردة ومثناة وجمعاً:
أما
اليد التي جاءت بالإفراد، فإن المفرد
المضاف يفيد العموم،
فيشمل كل ما ثبت لله من يد، ودليل عموم
المفرد المضاف قوله تعالى:
{وَإِنْ
تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا}
[إبراهيم:
34] ،
فـ {نِعْمَتَ}
: مفرد
مضاف، فهي تشمل كثيراً، لقوله:
{لا
تُحْصُوهَا}
،
إذاً:
فما
هي واحدة ولا ألف ولا مليون ولا ملايين.
{يَدُ
اللَّهِ}
: نقول
هذا المفرد لا يمنع التعدد إذا ثبت، لأن
المفرد المضاف يفيد العموم.
أما
المثنى والجمع، فنقول:
إن
الله ليس له إلا يدان اثنتان، كما ثبت ذلك
في الكتاب والسنة.
ففي
الكتاب:
في
صورة ص قال:
{لِمَا
خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص:57]،
والمقام مقام تشريف، ولو كان الله خلقه
بأكثر من يدين، لذكره، لأنه كلما ازدادت
الصفة التي بها خلق الله هذا الشيء، ازداد
تعظيم هذا الشيء.
وأيضاً:
في
سورة المائدة قال:
{بَلْ
يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ}
[المائدة:
64] ،
في الرد على من قالوا:
{يَدُ
اللَّهِ}
،
بالإفراد، والمقام مقام يقتضي كثرة النعم،
وكلما كثرت وسيلة العطاء، كثر العطاء،
فلو كان لله تعالى أكثر من اثنتين لذكرهما.
أما
السنة فإن الرسول عليه الصلاة والسلام
قال:
"يطوي الله
تعالى السماوات بيمينه والأرض بيده
الأخرى".
قال
صلى الله عليه وسلم:
"كلتا
يديه يمين".
ولم
يذكر أكثر من اثنتين.
وأجمع
السلف على أن لله يدين اثنتين فقط بدون
زيادة.
فعندنا
النص من القرآن والسنة والإجماع على أن
لله تعالى يدين اثنتين، فيكف نجمع بين
هذا وبين الجمع:
{مِمَّا
عَمِلَتْ أَيْدِينَا}
[يس:
71] ؟!
فنقول
الجمع على أحد الوجهين:
* فإما
أن نقول بما ذهب إليه بعض العلماء، من أن
أقل الجمع اثنان، وعليه، فـ {أَيْدِينَا}
لا
تدل على أكثر من اثنتين، يعني:
لا
يلزم أن تدل على أكثر من اثنين، وحينئذ
تطابق التثنية:
{بَلْ
يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ}
،
ولا إشكال فيه.
فإذا
قلت:
ما
حجة هؤلاء على أن الجمع أقله اثنان؟
فالجواب:
احتجوا
بقوله تعالى:
{إِنْ
تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ
قُلُوبُكُمَا}
[التحريم:
4] ،
وهما اثنتان، والقلوب جمع، والمراد به
قلبان فقط، لقوله تعالى:
{مَا
جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ
فِي جَوْفِهِ}[الأحزاب:
4] ،
ولا لامرأة كذلك.
واحتجوا
أيضاً بقول الله تعالى:
{فَإِنْ
كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ
السُّدُسُ}
[النساء:
11] ،
فـ {إِخْوَةٌ}
جمع،
والمراد به اثنان.
واحتجوا
أيضاً بأن جماعة الصلاة تحصل باثنين.
ولكن
جمهور أهل اللغة يقولون:
إن
أقل الجمع ثلاثة، وإن خروج الجمع إلى
الاثنين في هذه النصوص لسبب، وإلا فإن
أقل الجمع في الأصل ثلاثة.
* وإما
أن نقول:
إن
المراد بهذا الجمع التعظيم، تعظيم هذه
اليد وليس المراد أن لله تعالى أكثر من
اثنتين.
ثم
إن المراد باليد هنا نفس الذات التي لها
يد، وقد قال الله تعالى:
{ظَهَرَ
الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ
بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ}
[الروم:
41] ،
أي:
بما
كسبوا، سواء كان من كسب اليد أو الرجل أو
اللسان أو غيرها من أجزاء البدن، لكن يعبر
بمثل هذا التعبير عن الفاعل نفسه.
ولهذا
نقول:
إن
الأنعام التي هي الإبل لم يخلقها الله
تعالى بيده، وفرق بين قوله:
{مِمَّا
عَمِلَتْ أَيْدِينَا}
،
وبين قوله:
{لِمَا
خَلَقْتُ بِيَدَيَّ}
،
فـ:
{مِمَّا
عَمِلَتْ أَيْدِينَا}
،
كأنه قال:
مما
عملنا، لأن المراد باليد ذات الله التي
لها يد، والمراد بـ {بِيَدَيَّ}
: اليدان
دون الذات.
وبهذا
يزول الإشكال في صفة اليد التي وردت
بالإفراد والتثنية
والجمع.