هذه الأُمور الثلاثة تسهل على العبد الزهد في الدنيا، وتثبت قدمه فى مقامه:
أحدها:
علم
العبد أنها ظل زائل وخيال زائر وأنها كما
قال الله تعالى فيها:
{اعْلَمُوا
أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ
وَلَهُوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ
وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ
كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ
نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ
مُصْفَرَّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً}
[الحديد:
20] ،
وقال الله تعالى: { إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأَنْعَامُ حَتَّىَ إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } [ يونس/24]،
وقال تعالى:
{وَاضْرِبْ
لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا
كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ
فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ
فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ
وَكَانَ اللهُ عَلَى كُلِّ شَيءٍ
مُقْتَدِراً}
[الكهف:
45] ،
وسماها سبحانه:
"متاع
الغرور"
ونهى
عن الاغترار بها،
وأخبرنا
عن سوء عاقبة المغترين بها وحذرنا
مثل مصارعهم، وذم من رضي بها واطمأن إليها.
وقال
النبى صلى الله عليه وسلم:
"مالي وللدنيا إنما أن كراكب قال في ظل شجرة ثم
راح وتركها".
الثاني:
علمه
أن وراءها داراً أعظم منها قدراً وأجل
خطراً وهي دار البقاءِ، وأن نسبتها إليها
كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:
"ما
الدنيا في الآخرة إلا كما يجعل أحدكم
إصبعه فى اليم فلينظر بم يرجع"،
فالزاهد فيها بمنزلة رجل فى يده درهم زغل
قيل له:
اطرحه
ولك عوضه
مائة ألف دينار مثلاً، فألقاه من يده
رجاءَ ذلك العوض، فالزهد فيها لكمال
رغبته فيما
هو أعظم منها زهدٌ فيها.
الثالث:
معرفته
أن زهده فيها لا يمنعه شيئاً كتب له منها،
وأن حرصه عليها لا يجلب له ما لم يقض له
منها.
طريق الهجرتين للإمام ابن القيم-بتصرف-(252-253)