قال الشيخ العثيمين رحمه الله في شرح العقيدة الواسطية(430-433): يرى
المعتزلة أن القرآن مخلوق، وليس كلام
الله!
ويستدلون
لذلك بقول الله تعالى:
{الله
خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل}
[الزمر:62]
, والقرآن
شيء,
فيدخل
في عموم قوله:
{كل
شيء}
, ولأنه
ما ثم إلا خالق ومخلوق,
والله
خالق,
وما
سواه مخلوق.
والجواب
من وجهين:
الأول:
أن
القرآن كلام الله تعالى، وهو صفة من صفات
الله,
وصفات
الخالق غير مخلوقة.
الثاني:
أن
مثل هذا التعبير {كل
شيء}
عام
قد يراد به الخاص؛ مثل قوله تعالى عن ملكة
سبأ:
{وأوتيت
من كل شيء}[النمل:23]
،
وقد خرج شيء كثير لم يدخل في ملكها منه
شيء؛ مثل ملك سليمان.
فإن
قال قائل:
هل
هناك فرق كبير بين قولنا:
إنه
منزل,
وقولنا:
إنه
مخلوق؟
فالجواب:
نعم؛
بينهما فرق كبير، جرت بسببه المحنة الكبرى
في عصر الإمام أحمد.
فإذا
قلنا:
إنه
منزل.
فهذا
ما جاء به القرآن؛ قال الله تعالى:
{تبارك
الذي نزل الفرقان على عبده}
[الفرقان:1]
.
وإذا
قلنا:
إنه
مخلوق.
لزم
من ذلك:
أولا:
تكذيب
للقرآن؛ لأن الله يقول:
{وكذلك
أوحينا إليك روحا من أمرنا}
[الشورى:52]
،
فجعله الله تعالى موحى إلى الرسول عليه
الصلاة والسلام,
ولو
كان مخلوقا؛ ما صح أن يكون موحى؛ فإذا كان
وحيا لزم ألا يكون مخلوقا؛ لأن الله هو
الذي تكلم به.
ثانيا:
إذا
قلنا:
إنه
مخلوق؛ فإنه يلزم على ذلك إبطال مدلول
الأمر والنهي والخبر والاستخبار؛ لأن
هذه الصيغ لو كانت مخلوقة؛ لكانت مجرد
شكل خلق على هذه الصورة؛ كما خلقت الشمس
على صورتها,
والقمر
على صورته، والنجم على صورته..
وهكذا,
ولم
تكن أمرا ولا نهيا ولا خبرا ولا استخبارا؛
فمثلا:
كلمة
(قل)
(لا
تقل)
(قال
فلان)
(هل
قال فلان)
كلها
نقوش على هذه الصورة,
فتبطل
دلالتها على الأمر والنهي والخبر
والاستخبار,
وتبقى
كأنها صور ونقوش لا تفيد شيئا.
ولهذا
قال ابن القيم في "النونية":
"إن
هذا القول يبطل به الأمر والنهي؛ لأن
الأمر كأنه شيء خلق على هذه الصورة دون
أن يعتبر مدلوله، والنهي خلق على هذه
الصورة دون أن يعتبر مدلوله,
والنهي
خلق على هذه الصورة دون أن يقصد مدلوله،
وكذلك الخبر والاستخبار".
ثالثا:
إذا
قلنا:
إن
القرآن مخلوق، وقد أضافه إلى نفسه إضافة
خلق؛ صح أن نطلق على كل كلام من البشر
وغيرهم أنه كلام الله؛ لأن كل كلام الخلق
مخلوق، وبهذا التزم أهل الحلول والاتحاد؛
حيث يقول قائلهم:
وكل
كلام في الوجوه كلامه ...
سواء
علينا نثره ونظامه
وهذا
اللازم باطل، وإذا بطل اللازم بطل الملزوم.
فهذه
ثلاثة أوجه تبطل القول بأنه مخلوق.
والوجه
الرابع:
أن
نقول:
إذا
جوزتم أن يكون الكلام-وهو
معنى لا يقوم إلا بمتكلم -
مخلوقا؛
لزمكم أن تجوزوا أن تكون جميع صفات الله
مخلوقة؛ إذ لا فرق؛؛ فقولوا إذا:
سمعه
مخلوق,
وبصره
مخلوق....
وهكذا.
فإن
أبيتم إلا أن تقولوا:
إن
السمع معنى قائم بالسامع لا يسمع
منه ولا يرى، بخلاف الكلام؛ فإنه جائز أن
الله يخلق أصواتا في الهواء فتسمع!!
قلنا
لكم:
لو
خلق أصواتا في الهواء، فسمعت؛ لكان المسموع
وصفا للهواء,
وهذا
أنتم بأنفسكم لا تقولوه؛ فكيف تعيدون
الصفة إلى غير موصوفها؟!
هذه
وجوه أربعة كلها تدل على أن القول بخلق
القرآن باطل، ولو لم يكن منه إلى إبطال
الأمر والنهي والخبر والاستخبار؛ لكان
ذلك كافيا.