قال الشيخ العثيمين رحمه الله في شرح العقيدة الواسطية(427-430): عقيدة
أهل السنة والجماعة في القرآن؛ يقولون:
إن
القرآن كلام الله,
منزل,
غير
مخلوق منه بدأ,
وإليه
يعود.
قولهم:
"منزل":
دليلة
قوله تعالى:
{شهر
رمضان الذي أنزل فيه القرآن}
[البقرة:185]
, وقوله:
{إنا
أنزلناه في ليلة القدر}
[القدر:
1] , وقوله:
{وقرآنا
فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه
تنزيلا}
[الإسراء:106]
.
وقولهم:
"غير
مخلوق":
دليله:
قوله
تعالى:
{ألا
له الخلق والأمر}
[الأعراف:54]
؛
فجعل الخلق شيئا والأمر شيئا آخر؛ لأن
العطف يقتضي المغايرة,
والقرآن
من الأمر؛ بدليل قوله تعالى:
{وكذلك
أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري
ما الكتاب ولا الأيمان ولكن جعلناه نورا
نهدي به من نشاء من عبادنا}
[الشورى:52]
؛
فإذا كان القرآن أمرا,
وهو
قسيم للخلق؛ صار غير مخلوق؛ لأنه لو كان
مخلوقا؛ ما صح التقسيم.
وهذا
دليل سمعي.
أما
الدليل العقلي؛ فنقول:
القرآن
كلام الله، والكلام ليس عينا
قائمة بنفسها حتى يكون بائنا من الله،
ولو كان عينا قائمة بنفسها بائنة من الله؛
لقلنا:
إنه
مخلوق,
لكن
الكلام صفة للمتكلم به، فإذا كان صفة
للمتكلم به، وكان من الله؛ كان غير مخلوق؛
لأن صفات الله عز وجل كلها غير مخلوقة.
وأيضا؛
لو كان مخلوقا؛ لبطل مدلول الأمر والنهي
والخبر والاستخبار؛ لأن هذه الصيغ لو
كانت مخلوقة.
لكانت
مجرد أشكال خلقت على هذه الصورة لا دلالة
لها على معناها؛ كما يكون شكل النجوم
والشمس والقمر ونحوها.
وقولهم:
"منه
بدأ"؛
أي:
هو
الذي ابتدأ به، وتكلم به أولا.
والقرآن
أضيف إلى الله وإلى جبريل وإلى محمد,
صلى
الله عليه وسلم.
مثال
الأول:
قول
الله عز وجل:
{فأجره
حتى يسمع كلام الله}
[التوبة:6]
, فيكون
منه بدأ؛ أي:
من
الله جل جلاله,
ومنه:
حرف
جر وضمير قدم على عامله لفائدة الحصر
والاختصاص.
ومثال
الثاني -إضافته
إلى جبريل-:
قوله
تعالى:
{إنه
لقول رسول كريم ذي قوة عند ذي العرش مكين}
[التكوير:
19-20] .
ومثال
الثالث-
إضافته
إلى محمد عليه الصلاة والسلام -:
قوله:
{إنه
لقول رسول كريم وما هو بقول شاعر}
[الحافة:
40-41] , لكن
أضيف إليهما لأنهما يبلغانه، لا لأنهما
ابتدأاه.
وقولهم:
"وإليه
يعود":
في
معناه وجهان:
الأول:
أنه
كما جاء في بعض الآثار:
يسرى
عليه في ليلة,
فيصبح
الناس ليس بين أيديهم قرآن؛ لا في صدورهم,
ولا
في مصاحفهم,
يرفعه
الله عز وجل.
وهذا-والله
أعلم-حينما
يعرض عنه الناس إعراضا كليا؛ لا يتلونه
لفظا ولا عقيدة ولا عملا؛ فإنه يرفع؛ لأن
القرآن أشرف من أن يبقى بين يدي أناس هجروه
وأعرضوا عنه فلا يقدرونه قدره، وهذا-والله
أعلم-نظير
هدم الكعبة في آخر الزمان؛
حيث يأتي رجل من الحبشة قصير أفحج أسود,
يأتي
بجنوده من البحر إلى المسجد الحرام، وينقض
على الكعبة حجرا حجرا، كلما نقض حجرا؛
مده للذي يليه....
وهكذا
يتمادون الأحجار إلى أن يرموها في البحر،
والله عز وجل يمكنهم من ذلك، مع أن أبرهة
جاء بخيله ورجله
وفيله فقصمه الله قبل أن يصل إلى المسجد ، لأن الله يعلم أنه سيبعث هذا النبي وتعاد إلى المسجد هيبته وعظمته، ولكن آخر الزمان لن يبعث
نبي بعد محمد عليه الصلاة والسلام، وإذا
أعرض الناس عن تعظيم هذا البيت نهائيا؛
فإنه يسلط عليه هذا الرجل من الحبشة؛ فهذا
نظير رفع القرآن.
والله
أعلم.
الوجه
الثاني:
في
معنى قولهم:
"وإليه
يعود":
أنه
يعود إلى الله وصفا؛ أي أنه لا يوصف به
أحد سوى الله فيكون المتكلم بالقرآن هو
الله عز وجل، وهو الموصوف به.
ولا
مانع أن نقول:
إن
المعنيين كلاهما صحيح.
هذا
كلام أهل السنة والجماعة في القرآن الكريم.