قال الشيخ العثيمين رحمه الله في شرح العقيدة الواسطية(80-83): العقل
لا مدخل له في باب الأسماء والصفات لأن
مدار إثبات الأسماء والصفات أو نفيها على
السمع، فعقولنا لا تحكم على الله أبداً،
فالمدار إذاً على السمع، خلافاً للأشعرية
والمعتزلة والجهمية وغيرهم من أهل التعطيل،
الذين جعلوا المدار في إثبات الصفات أو
نفيها على العقل، فقالوا:
ما
اقتضى العقل إثباته، أثبتناه، سواء أثبته
الله لنفسه أم لا!
وما
اقتضى نفيه، نفيناه، وإن أثبته الله!
وما
لا يقتضي العقل إثباته ولا نفيه، فأكثرهم
نفاه، وقال:
إن
دلالة العقل إيجابية، فإن أوجب الصفة،
أثبتناها، وإن لم يوجبها، نفيناها!
ومنهم من توقف فيه، فلا يثبتها لأن العقل لا
يثبتها لكن لا ينكرها، لأن العقل لا
ينفيها، ويقول:
نتوقف!
لأن
دلالة العقل عند هذا سلبية، إذا لم يوجب،
يتوقف ولم ينف!
فصار
هؤلاء يحكمون العقل فيما يجب أو يمتنع
على الله عز وجل.
فيتفرع على هذا:
ما
اقتضى العقل وَصْف الله به، وُصِف الله
به,
وإن
لم يكن في الكتاب والسنة، وما اقتضى العقل
نفيه عن الله، نفوه، وإن كان في الكتاب
والسنة.
ولهذا
يقولون:
ليس
لله عين، ولا وجه، ولا له يد، ولا استوى
على العرش، ولا ينزل إلى السماء الدنيا
لكنهم يحرفون ويسمون تحريفهم تأويلاً
ولو أنكروا إنكار جحد، لكفروا، لأنهم
كذبوا لكنهم ينكرون إنكار ما يسمونه
تأويلاً وهو عندنا تحريف.
والحاصل
أن العقل لا مجال له في باب أسماء الله
وصفاته فإن قلت:
قولك
هذا يناقض القرآن، لأن الله يقول:
{وَمَنْ
أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً}
[المائدة:
50] والتفضيل
بين شيء وآخر مرجعه إلى العقل وقال عز وجل
{َلِلَّهِ
الْمَثَلُ الأَعْلَى}
[النحل:
60] وقال:
{أَفَمَنْ
يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا
تَذَكَّرُونَ}
[النحل:
17] وأشباه
ذلك مما يحيل الله به على العقل فيما يثبته
لنفسه وما ينفيه عن الآلهة المدعاة؟
فالجواب
أن نقول:
إن
العقل يدرك ما يجب لله سبحانه وتعالى
ويمتنع عليه على سبيل الإجمال لا على سبيل
التفصيل، فمثلاً:
العقل
يدرك بأن الرب لا بد أن يكون كامل الصفات،
لكن هذا لا يعني أن العقل يثبت كل صفة
بعينها أو ينفيها لكن يثبت أو ينفي على
سبيل العموم أن الرب لا بد أن يكون كامل
الصفات سالماً من النقص.
فمثلاً:
يدرك
بأنه لابد أن يكون الرب سميعاً بصيراً،
قال إبراهيم:
{يَا
أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ
وَلا يُبْصِرُ}
[مريم:
42] .
ولابد
أن يكون خالقاً، لأن الله قال:
{أَفَمَنْ
يَخْلُقُ كَمَنْ لاّ يَخْلُقُ}
[النحل:
17] {وَالَّذِينَ
يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا
يَخْلُقُونَ شَيْئاً}
[النحل:
20] .
يدرك
هذا ويدرك بأن الله سبحانه وتعالى يمتنع
أن يكون حادثاً بعد العدم، لأنه نقص،
ولقوله تعالى محتجاً على هؤلاء الذين
يعبدون الأصنام:
{وَالَّذِينَ
يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا
يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ}
[النحل:
20] ،
إذاً يمتنع أن يكون الخالق حادثاً بالعقل.
العقل
أيضاً يدرك بأن كل صفة نقص فهي ممتنعة على
الله، لأن الرب لا بد أن يكون كاملاً فيدرك
بأن الله عز وجل مسلوب عنه العجز، لأنه
صفة نقص، إذا كان الرب عاجزاً وعُصِي
وأراد أن يعاقب الذي عصاه وهو عاجز، فلا
يمكن!
إذاً،
العقل يدرك بأن العجز لا يمكن أن يوصف
الله به، والعمى كذلك والصم كذلك والجهل
كذلك....
وهكذا
على سبيل العموم ندرك ذلك، لكن على سبيل
التفصيل لا يمكن أن ندركه فنتوقف فيه على
السمع.
سؤال:
هل
كل ما هو كمال فينا يكون كمالاً في حق
الله، وهل كل ما هو نقص فينا يكون نقصاً
في حق الله؟
الجواب:
لا،
لأن المقياس في الكمال والنقص ليس باعتبار
ما يضاف للإنسان، لظهور الفرق بين الخالق
والمخلوق، لكن باعتبار الصفة من حيث هي
صفة، فكل صفة كمال، فهي ثابته لله سبحانه
وتعالى.
فالأكل
والشرب بالنسبة للخالق نقص، لأن سببهما
الحاجة، والله
تعالى غني عما سواه، لكن هما بالنسبة
للمخلوق كمال ولهذا، إذا كان الإنسان لا
يأكل، فلا بد أن يكون عليلاً بمرض أو نحوه
هذا نقص.
والنوم
بالنسبة للخالق نقص، وللمخلوق كمال، فظهر
الفرق.
التكبر
كمال للخالق ونقص للمخلوق، لأنه لا يتم
الجلال والعظمة إلا بالتكبر حتى تكون
السيطرة كاملة ولا أحد ينازعه..
ولهذا
توعد الله تعالى من ينازعه الكبرياء
والعظمة، قال:
"من
نازعني واحداً منهما عذبته".
فالمهم
أنه ليس كل كمال في المخلوق يكون كمالاً
في الخالق ولا كل نقص في المخلوق يكون
نقصاً في الخالق إذا كان الكمال أو النقص
اعتبارياً.