قال الشيخ العثيمين رحمه الله في شرح العقيدة الواسطية(102-105): أهل
السنة والجماعة يثبتون لله عز وجل الصفات
بدون مماثلة، يقولون:
إن
الله عز وجل له حياة وليست مثل حياتنا،
له علم وليس مثل علمنا، له بصر، ليس مثل
بصرنا، له وجه وليس مثل وجوهنا له يد وليست
مثل أيدينا....
وهكذا
جميع الصفات، يقولون:
إن
الله عز وجل لا يماثل خلقه فيما وصف به
نفسه أبداً، ولهم على ذلك أدلة سمعية
وأدلة عقلية:
أ-
الأدلة
السمعية:
تنقسم
إلى قسمين:
خبر،
وطلب.
-
فمن
الخبر قوله تعالى:
{لَيْسَ
كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}
[الشورى:
11] ،
فالآية فيها نفي صريح للتمثيل وقوله:
{هَلْ
تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً}
[مريم:
65] ،
فإن هذا وإن كان إنشاء، لكنه بمعنى الخبر،
لأنه استفهام بمعنى النفي وقوله:
{وَلَمْ
يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ}[الإخلاص:
4] ،
فهذه كلها تدل على نفي المماثلة، وهي كلها
خبرية.
-
وأما
الطلب، فقال الله تعالى:
{فَلا
تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً}
[البقرة:
22] أي:
نظراء
مماثلين.
وقال:
{فَلا
تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ}
[النحل:
74] .
فمن
مثل الله بخلقه، فقد كذب الخبر وعصى الأمر
ولهذا أطلق بعض السلف القول بالتكفير لمن
مثل الله بخلقه، فقال نعيم بن حماد الخزاعي
شيخ البخاري رحمه الله:
"من
شبه الله بخلقه، فقد كفر"،
لأنه جمع بين التكذيب بالخبر وعصيان
الطلب.
وأما
الأدلة العقلية على انتفاء التماثل بين
الخالق والمخلوق:
فمن
وجوه:
أولاً:
أن
نقولك لا يمكن التماثل بين الخالق والمخلوق
بأي حال من الأحوال لو لم يكن بينهما من
التباين إلا أصل الوجود، لكان كافياً،
وذلك أن وجود الخالق واجب، فهو أزلي أبدي،
ووجود المخلوق ممكن مسبوق بعدم ويلحقه
فناء، فما كانا كذلك لا يمكن أن يقال:
إنهما
متماثلان.
ثانياً:
أنا
نجد التباين العظيم بين الخالق والمخلوق
في صفاته وفي أفعاله، في صفاته يسمع عز
وجل كل صوت مهما خفي ومهما بعد، لو كان في
قعار البحار، لسمعه عز وجل.
وأنزل
الله قوله تعالى:
{قَدْ
سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ
فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ
وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا
إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ}
[المجادلة:
1] ،
تقول عائشة:
"الحمد
لله الذي وسع سمعه الأصوات، إني لفي
الحجرة، وإنه ليخفى على بعض حديثها"،
والله تعالى سمعها من على عرشه وبينه
وبينها ما لا يعلم مداه إلا الله عز وجل،
ولا يمكن أن يقول قائل:
إن
سمع الله مثل سمعنا.
ثالثاً:
نقول:
نحن
نعلم أن الله تعالى مباين للخلق بذاته:
{وَسِعَ
كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ}
[البقرة:
255] ،
{وَالأَرْضُ
جَمِيعاً قَبْضَتُهُ}
[الزمر:
67] ،
ولا يمكن لأحد من الخلق أن يكون هكذا،
فإذا كان مبايناً للخلق في ذاته، فالصفات
تابعة للذات، فيكون أيضاً مبايناً للخلق
في صفاته عز وجل، ولا يمكن التماثل بين
الخالق والمخلوق.
رابعاً:
نقول:
إننا
نشاهد في المخلوقات أشياء تتفق في الأسماء
وتختلف في المسميات، يختلف الناس في
صفاتهم:
هذا
قوي البصر وهذا ضعيف، وهذا قوي السمع وهذا
ضعيف، هذا قوي البدن وهذا ضعيف وهذا ذكر
وهذا أنثى....
وهكذا
التباين في المخلوقات التي من جنس واحد،
فما بالك بالمخلوقات المختلفة الأجناس؟
فالتباين بينها أظهر ولهذا، لا يمكن لأحد
أن يقول:
إن
لي يداً كيد الجمل، أو لي يداً كيد الذرة،
أو لي يداً كيد الهر، فعندنا الآن إنسان
وجمل وذرة وهر، كل واحد له يد مختلفة عن
الثاني، مع أنها متفقة في الاسم فنقول:
إذا
جاز التفاوت بين المسميات في المخلوقات
مع اتفاق الاسم، فجوازه بين الخالق
والمخلوق ليس جائزاً فقط، بل هو واجب،
فعندنا أربعة وجوه عقلية كلها تدل على أن
الخالق لا يمكن أن يماثل المخلوق بأي حال
من الأحوال.
ربما
نقول أيضاً:
هناك
دليل فطري، وذلك لأن الإنسان بفطرته بدون
أن يلقن يعرف الفرق بين الخالق والمخلوق
ولولا هذه الفطرة، ما ذهب يدعو الخالق.
فتبين
الآن أن التمثيل منتف سمعاً وعقلاً وفطرة.