قال الشيخ العثيمين رحمه الله في شرح العقيدة الواسطية(105-111): إن
قال قائل:
إن
النبي صلى الله عليه وسلم حدثنا بأحاديث
تشتبه علينا، هل هي تمثيل أو غير تمثيل؟
ونحن نضعها بين أيديكم:-
قال
النبي صلى الله عليه وسلم "إنكم
سترون ربكم كما ترون القمر ليل لبدر، لا
تضامون في رؤيته"،
فقال:
"كما"
والكاف
للتشبيه، وهذا رسول الله صلى الله عليه
وسلم، ونحن من قاعدتنا أن نؤمن بما قال
الرسول كما نؤمن بما قال الله، فأجيبوا
عن هذا الحديث؟
نقول:
نجيب
عن هذا الحديث وعن غيره بجوابين:
الجواب
الأول مجمل والثاني مفصل.
فالأول
المجمل:
أنه
لا يمكن أن يقع تعارض بين كلام الله وكلام
رسوله الذي صح عنه أبداً، لأن الكل حق،
والحق لا يتعارض، والكل من عند الله، وما
عند الله تعالى لا يتناقض {وَلَوْ
كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ
لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً}
[النساء:
82] ،
فإن وقع ما يوهم التعارض في فهمك، فاعلم
أن هذا ليس بحسب النص، ولكن باعتبار ما
عندك، فأنت إذا وقع التعارض عندك في نصوص
الكتاب والسنة، فإما لقلة العلم، وإما
لقصور الفهم، وإما للتقصير في البحث
والتدبر، ولو بحثت وتدبرت، لوجدت أن
التعارض الذي توهمته لا أصل له، وإما لسوء
القصد والنية، بحيث تستعرض ما ظاهره
التعارض لطلب التعارض، فتحرم التوفيق،
كأهل الزيغ الذين يتبعون المتشابه.
ويتفرع
على هذا الجواب المجمل أنه يجب عليك عند
الاشتباه أن ترد المشتبه إلى المحكم، لأن
هذه الطريق طريق الراسخين
في العلم، قال الله تعالى:
{هُوَ
الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ
مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ
الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ
فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ
زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ
مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ
تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ
إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي
الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ
مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا}
[آل
عمران:
7] ،
ويحملون المتشابه على المحكم حتى يبقى
النص كله محكماً.
وأما
الجواب المفصل، فأن نجيب عن كل نص بعينه
فنقول:
إن
قول النبي صلى الله عليه وسلم:
"إنكم
سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر لا
تضامون في رؤيته"
ليس
تشبيهاً للمرئي بالمرئي، ولكنه تشبيه
للرؤية بالرؤية، "سترون
...
كما
ترون"،
فالكاف في:
"كما
ترون":
داخلة على مصدر مؤول، لأن (ما)
مصدرية،
وتقدير الكلام:
كرؤيتكم
القمر ليلة البدر وحينئذ يكون التشبيه
للرؤية بالرؤية لا المرئي بالمرئي،
والمراد أنكم ترونه رؤية واضحة كما ترون
القمر ليلة البدر ولهذا أعقبه بقوله:
"لا
تضامون في رؤيته"
أو:
"لا
تضارون في رؤيته"
فزال
الإشكال الآن.
-
قال
النبي صلى الله عليه وسلم "إن
الله خلق آدم على صورته"،
والصورة مماثلة للأخرى، ولا يعقل صورة
إلا مماثلة للأخرى، ولهذا أكتب لك رسالة،
ثم تدخلها الآلة الفوتوغرافية، وتخرج
الرسالة، فيقال:
هذه
صورة هذه، ولا فرق بين الحروف
والكلمات،
فالصورة مطابقة للصورة، والقائل:
"إن
الله خلق آدم على صورته":
الرسول
عليه الصلاة والسلام أعلم وأصدق وأنصح
وأفصح الخلق.
والجواب
المجمل أن نقول:
لا
يمكن أن يناقض هذا الحديث قوله تعالى
{لَيْسَ
كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}
[الشورى:
11] ،
فإن يسر الله لك الجمع، فاجمع، وإن لم
يتيسر، فقل:
{آمَنَّا
بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا}
[آل
عمران:
7] ،
وعقيدتنا أن الله لا مثيل له، بهذا تسلم
أما الله عز وجل.
هذا
كلام الله، وهذا كلام رسوله، والكل حق،
ولا يمكن أن يكذب بعضه بعضاً، لأنه كله
خبر وليس حكماً كي ينسخ، فأقول:
هذا
نفي للماثلة، وهذا إثبات للصورة، فقل:
إن
الله ليس كمثله شيء، وإن الله خلق آدم على
صورته، فهذا كلام الله، وهذا كلام رسوله
والكل حق نؤمن به، ونقول:
كل
من عند ربنا، ونسكت وهذا هو غاية ما نستطيع.
وأما
الجواب المفصل، فنقول:
إن
الذي قال:
"إن
الله خلق آدم على صورته"
رسول
الذي قال:
{لَيْسَ
كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}
[الشورى:
11] والرسول
لا يمكن أن ينطق بما يكذب المرسِل والذي
قال:
"خلق
آدم على صورته":
هو
الذي قال:
"إن
أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر"،
فهل أنت تعتقد أن هؤلاء الذين يدخلون
الجنة على صورة القمر من كل وجه أو تعتقد
أنهم على صورة البشر لكن في الوضاءة والحسن
والجمل واستدارة الوجه وما أشبه ذلك على
صورة القمر، لا من كل وجه؟!
فإن
قلت بالأول، فمقتضاه أنهم دخلوا وليس لهم
أعين وليس لهم آناف وليس لهم أفواه!
وإن
شئنا قلنا:
دخلوا
وهم أحجار!
وإن
قلت بالثاني؛ زال الإشكال,
وتبين
أنه لايلزم من كون الشيء على صورة الشيء
أن يكون مماثلاً له من كل وجه.
فإن
أبى فهمك، وتقاصر عن هذا، وقال:
أنا
لا أفهم إلا أنه مماثل.
قلنا:
هناك
جواب آخر، وهو أن الإضافة هنا من باب إضافة
المخلوق إلى خالقه، فقوله:
"على
صورته"،
مثل قوله عزوجل في آدم:
{وَنَفَخْتُ
فِيهِ مِنْ رُوحِي}
[ص:
72] ،
ولا يمكن أن الله عز وجل أعطى آدم جزءاً
من روحه، بل المراد الروح التي خلقها الله
عز وجل، لكن إضافتها إلى الله بخصوصها من
باب التشريف، كما نقول:
عباد
الله، يشمل الكافر والمسلم والمؤمن
والشهيد والصديق والنبي لكننا لو قلنا:
محمد
عبد الله، هذه إضافة خاصة ليست كالعبودية
السابقة.
فقوله:
"خلق
آدم على صورته"،
يعني:
صورة
من الصور التي خلقها الله وصورها، كما
قال تعالى:
{وَلَقَدْ
خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ
ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا
لآدَمَ}
[الأعراف:
11] ،
والمصور أدم إذاً، فآدم على صورة الله،
يعني:
أن
الله هو الذي صوره على
هذه الصورة التي تعد أحسن صورة في المخلوقات،
{لَقَدْ
خَلَقْنَا الأِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ
تَقْوِيمٍ}
[التين:
4] ،
فإضافة الله الصورة إليه من باب التشريف،
كأنه عز وجل اعتنى بهذه الصورة ومن أجل
ذلك، لا تضرب الوجه، فتعيبه حساً، ولا
تقبحه فتقول:
قبح
الله وجهك ووجه من أشبه وجهك، فتعيبه
معنى، فمن أجل أنه الصورة التي صورها الله
وأضافها إلى نفسه تشريفاً وتكريماً، لا
تقبحها بعيب حسي ولا بعيب معنوي.
ثم هل يعتبر هذا الجواب تحريفاً أم له نظير؟
نقول: له نظير، كما في: بيت الله، وناقة الله، وعبد الله، لأن هذه الصورة (أي: صورة آدم) منفصلة بائنة من الله وكل شيء أضافه الله إلى نفسه وهو منفصل بائن عنه، فهو من المخلوقات، فحينئذ يزول الإشكال.
ولكن إذا قال قائل: أيما أسلم المعنى الأول أو الثاني؟ قلنا: المعنى الأول أسلم، ما دمنا نجد أن لظاهر اللفظ مساغاً في اللغة العربية وإمكاناً في العقل، فالواجب حمل الكلام عليه ونحن وجدنا أن الصورة لا يلزم منها مماثلة الصورة الأخرى، وحينئذ يكون الأسلم أن نحمله على ظاهره.
فإذا قلت: ما هي الصورة التي تكون لله ويكون آدم عليها؟
قلنا: إن الله عز وجل له وجه وله عين وله يد وله رجل عز وجل، لكن لا يلزم من أن تكون هذه الأشياء مماثلة للإنسان، فهناك شيء من الشبه لكنه ليس على سبيل المماثلة، كما أن الزمرة الأولى من أهل الجنة فيها شبه من القمر لكن بدون مماثلة، وبهذا يصدق ما ذهب إليه أهل السنة والجماعة، من أن جميع صفات الله سبحانه وتعالى ليست مماثلة لصفات المخلوقين، من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل.
ثم هل يعتبر هذا الجواب تحريفاً أم له نظير؟
نقول: له نظير، كما في: بيت الله، وناقة الله، وعبد الله، لأن هذه الصورة (أي: صورة آدم) منفصلة بائنة من الله وكل شيء أضافه الله إلى نفسه وهو منفصل بائن عنه، فهو من المخلوقات، فحينئذ يزول الإشكال.
ولكن إذا قال قائل: أيما أسلم المعنى الأول أو الثاني؟ قلنا: المعنى الأول أسلم، ما دمنا نجد أن لظاهر اللفظ مساغاً في اللغة العربية وإمكاناً في العقل، فالواجب حمل الكلام عليه ونحن وجدنا أن الصورة لا يلزم منها مماثلة الصورة الأخرى، وحينئذ يكون الأسلم أن نحمله على ظاهره.
فإذا قلت: ما هي الصورة التي تكون لله ويكون آدم عليها؟
قلنا: إن الله عز وجل له وجه وله عين وله يد وله رجل عز وجل، لكن لا يلزم من أن تكون هذه الأشياء مماثلة للإنسان، فهناك شيء من الشبه لكنه ليس على سبيل المماثلة، كما أن الزمرة الأولى من أهل الجنة فيها شبه من القمر لكن بدون مماثلة، وبهذا يصدق ما ذهب إليه أهل السنة والجماعة، من أن جميع صفات الله سبحانه وتعالى ليست مماثلة لصفات المخلوقين، من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل.