سئل
العلامة صالح الفوزان حفظه الله:
فضيلة
الشيخ وفقكم الله: نويت
أن أقوم بعمرة في هذا الأسبوع، وأشار علي
البعض أن أتركها إلى شهر آخر حتى لا يكون
في عملي مشابهة لأهل البدع الذين يعتمرون
في السابع والعشرين من هذا الشهر رجب ؟
الجواب: نعم،
هو صحيح، أجِّل العمرة إلى أن تزول هذه
الشبهة، لأن إلي يعتمرون في رجب هم
المبتدعة، فأنت اجتنب هذا، ولا تشاركهم،
ولو كنت أنت ما قصدت هذا، لكن فيه مشاركة
لهم، ومشابهة لهم، فأجل العمرة إلى غير
رجب.
وسئل
حفظه الله: ما
حكم العمرة في شهر رجب؟
الجواب: موضع
خلاف بين العلماء، والجمهور على أنها لا
تشرع ولا يشرع في رجب خاصة لا عمرة ولا
غيره، لأنه لم يثبت هذا؛ لكن بعض العلماء
يقول: العمرة
في رجب تستحب لأن ابن عمر كان يفعل
هذا(1) فيستثنون
العمرة فقط في رجب وهذا قول فيه نظر،
الجمهور على خلاف وأنه لا يشرع في رجب شيء
خاص من الأعمال لعدم الدليل على هذا.
_______________________________
(1): ابن
عمر رضي الله عنه وهَّمته عائشة رضي الله
عنها كما في حديث عند مسلم "في
صحيحه عن عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ
قَالَ كُنْتُ أَنَا وَابْنُ عُمَرَ
مُسْتَنِدَيْنِ إِلَى حُجْرَةِ عَائِشَةَ
وَإِنَّا لَنَسْمَعُ ضَرْبَهَا بِالسِّوَاكِ
تَسْتَنُّ قَالَ فَقُلْتُ يَا أَبَا
عَبْدِ الرَّحْمَنِ اعْتَمَرَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي
رَجَبٍ قَالَ نَعَمْ فَقُلْتُ لِعَائِشَةَ
أَيْ أُمَّتَاهُ أَلَا تَسْمَعِينَ مَا
يَقُولُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَتْ
وَمَا يَقُولُ قُلْتُ يَقُولُ اعْتَمَرَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي رَجَبٍ فَقَالَتْ
يَغْفِرُ اللَّهُ لِأَبِي عَبْدِ
الرَّحْمَنِ لَعَمْرِي مَا اعْتَمَرَ
فِي رَجَبٍ وَمَا اعْتَمَرَ مِنْ عُمْرَةٍ
إِلَّا وَإِنَّهُ لَمَعَهُ قَالَ وَابْنُ
عُمَرَ يَسْمَعُ فَمَا قَالَ لَا وَلَا
نَعَمْ سَكَتَ"
وقال
العلامة مقبل الوادعي رحمه الله:
...فرجب
تخصيصه بعبادة لا نعلم دليلاً عليها ،
وما يفعلونه يعتبر بدعة ، والرسول - صلى
الله عليه وعلى آله وسلم - يقول
كما في الصحيحين من حديث عائشة :
" من
أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد "
.وهناك
بدع أخرى في رجب ، فعندنا النسوة يغنين
ويقلن : يا
عيد الأعياد يا أول جمعة في رجب .وهكذا
بدعة الإسراء والمعراج في ليلة سبعة
وعشرين من رجب ، ولم يثبت الإسراء والمعراج
في تلك الليلة كما في ( تبين
العجب فيما ورد في فضل رجب )
.وهذا
المال الذي ينفقونه سيسألون عنه أمام
الله ، فالرسول -صلى
الله عليه وعلى آله وسلم - نهى
عن إضاعة المال ، وثبت عن النبي - صلى
الله عليه وعلى آله وسلم - أنه
قال :
" لا
تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن
أربع - منها - ماله
من أين اكتسبه وفيما انفقه " ،
وهكذا العمر في تلك الليلة فإنه سيسأل
عنه ، وهكذا الجسم فإنه يرهق جسمه في
السهر .فبدع
الصوفية ، والبدعة طغت على دين الإسلام
، وأصبحت باباً مفتوحاً للشيوعية والبعثية
والناصرية ، فهذه البدع حرام على المسلم
أن يحضرها ، لأنه لا يجوز له لأن يكثر سواد
أهل البدع ، وحرام على المسلم أن يشاركهم
في هذا الأمر ، فهو مشاركة لهم في الباطل
، وتأييد لهم على الباطل ، وواجب على
المسلمين أن ينكروا عليهم .والله
عز وجل يقول في كتابه الكريم :
" ولتكن
منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف
وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون "
.ويقول
سبحانه وتعالى في كتابه الكريم :
" لعن
الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود
وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا
يعتدون * كانوا
لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا
يفعلون "
.فواجبٌ
الإنكار عليهم فضلاً عن أن يحضر ويبارك
مجلسهم المبتدع الذي يصد عن دين الله ،
وما ابتدع المسلمون بدعة ، إلا تركوا سنة
أو سنناً من سنن رسول الله - صلى
الله عليه وعلى آله وسلم -
.
راجع
كتاب قمع المعاند :
( 2 / 292 - 293 )
قال
العلامة العثيمين رحمه الله: اختلف
السلف -رحمهم
الله-: هل
العمرة فيه سُنَّة أم لا؟فقال بعضهم: إنَّها
سُنَّة، وقال آخرون: لا؛
لأنها لو كانت سُنَّة لبيَّنها الرَّسول
صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم، إمَّا
بقولٍ وإمَّا بفعلٍ.والعمرة
في أشهر الحج أفضل من العمرة في رجب؛ لأنَّ
النَّبي صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم
اعتمر في أشهر الحج؛ ولما ذكر ابن عمر -رضي
الله عنهما-
(أنَّ
النبي صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم
اعتمر في رجب) وهَّمته
عائشة؛ وقالت:
[لقد
وهم أبو عبد الرحمن] قالت
له ذلك وهو يسمع فسكت؛ فعلى كل حال: لا
أرى دليلاً واضحًا على استحباب العمرة
في رجب.
كذلك
أيضًا يوجد في رجب بعض الناس يخصُّه
بالصوم؛ يقول: إنَّه
يُسنُّ الصِّيام فيه، وهذا غلط، فإفراده
بالصوم مكرُوهٌ، أمَّا صومه مع
شعبان ورمضان فهذا لا بأس به، وفعله بعض
السلف؛ ولكن مع ذلك نرى أن لا يصوم الثلاثة
الأشهر؛ أي: رجب،
وشعبان، ورمضان.
وأمَّا
ما يُسمَّى بصلاة الرغائب: وهي
ألف ركعة في أول ليلة من رجب أو في أول
ليلة جمعة منه،فأيضًا لا صحة لها وليست
مشروعة.
وأمَّا
العتيرة التي تُذبح في رجب؛ فهي أيضًا
منسوخة، كانت أولاً مشروعة ثم نُسِخَت
وليست مشروعة.
وأمَّا
الإسراء والمعراج الذي اشتُهِر عند كثيرٍ
من النَّاس أو أكثرهم أنَّه في رجب، وفي
ليلة سبع وعشرين مِنه؛ فهذا لا صحَّة له
إطلاقًا.وأظهر
الأقوال: أنَّ
الإسراء والمعراج كان في ربيع الأول،
ثمَّ إنَّ إقامة الاحتفالات ليلة سبع
وعشرين من رجب بدعة لا أصل لها.
والبدع
أمرها عظيم جدًا وأمرها شديد؛ لأنَّ البدع
الدِّينيَّة التي يَتقرَّب بها النَّاس
إلى الله فيها مفاسد عظيمة؛ منها:أولاً: أنَّ
الله لم يأذن بها، وقد أنكر على الذين
يتبعون من شرَّعوا بلا إذن؛ فقال: ﴿أَمْ
لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ
الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ
اللَّهُ﴾ [الشورى:21].
ثانيًا: أنَّها
خارجة عن هَدْي النَّبي صلَّى الله عليه
وعلى آله وسلَّم؛ ولهذا قال عليه الصلاة
والسلام:
(عليكم
بسنَّتي وإيَّاكم ومُحدَثَاتِ
الأمور).ثالثًا: أنَّها
تقتضي إمَّا جهل النبي صلى الله عليه وعلى
آله وسلم وأصحابه بهذه البدعة، وإما عدم
عملهم بها، وكلا الأمرين خطأ. إنْ
قُلت: إنَّ
الرَّسول عَلِمَ عنها مشكلة، وإنْ
قلت: عَلِمَ
ولكن لم يعمل ولم يبلِّغ مشكلة
أيضًا.رابعًا: أنَّها
تستلزم عدم صحة قول الله تعالى: ﴿الْيَوْمَ
أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾ [المائدة:3]
. لأنَّك
إذا أتيت بشيء جديد؛ يعني: أنَّ
الدِّين في الأول ناقص لم يكمُل، وهذا
خطيرٌ جدًا؛ أن نقول: هذه
البدعة تقتضي أنَّ الدين لم يكمُل.خامسًا: أنَّ
هؤلاء المبتدعين جعلوا أنفسهم بمنزلة
الرُّسل الذين يُشرِّعون للنَّاس، وهذه
أيضًا مسألة خطيرة.ولو
تأمَّلت لوجدت أكثر من هذه الخمس في
مضَارِّ البدع ولو لم يكن منها إلا أنَّ
القلوب تتعلق بهذه البدع أكثر مما تتعلق
بالسُّنَّة -كما
هو مُشاهَد- حيث
تجد هؤلاء الذين يعتنون بهذه البدع ويحرصون
عليها لو فكرت في حال كثيرٍ منهم لوجدت
عنده فتورًا في الأمور المشروعة المتيقَّنة؛
فهو ربما يبتدع هذه البدعة وهو حليق
اللحية، مسبل الثياب، شارب للدخان، مقصِّر
في صلاة الجماعة.
يقول
بعض السلف: ما
ابتدع قوم بدعة إلا تركوا من السُّنَّة
مثلها أو أشد.حتى
إنَّ بعض العلماء قال: المبتدع
لا توبة له.لأنَّه
سنَّ سُنَّة يمشي النَّاس عليها إلى يوم
القيامة أو إلى ما شاء الله؛ بخلاف المعاصي
الخاصة؛ فهي خاصة بفاعلها وإذا تاب ارتفعت
لكن المشكلة البدعة؛ حيث لو تاب الإنسان
من البدعة فالذين يتَّبعونه فيها لم
يتوبوا؛ فلذلك قال بعض العلماء: إنَّه
لا توبة لمبتدع؛ لكن الصَّحيح أنَّ له
توبة، وإذا تاب توبة نصوحًا تاب الله
عليه، ثم يسأل الله أن تُمحَى هذه البدعة
ممن اتبعوه فيها.
مِن
بدع شهر رجب .. والتَّحذير
من خطورة الابتِداع