قال الشيخ العثيمين رحمه الله في شرح العقيدة الواسطية(248-250): وقوله:
{رَبَّنَا
وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً}
: يدل
على أن كل شيء وصله علم الله، وهو واصل
لكل شيء، فإن رحمته وصلت إليه، لأن الله
قرن بينهما في الحكم {رَبَّنَا
وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ
رَحْمَةً وَعِلْماً}
.
وهذه
هي الرحمة العامة التي تشمل جميع المخلوقات،
حتى الكفار، لأن الله قرن الرحمة هذه مع
العلم، فكل ما بلغه علم الله، وعلم الله
بالغ لكل شيء، فقد بلغته رحمته، فكما يعلم
الكافر، يرحم الكافر أيضاً.
لكن
رحمته للكافر رحمة جسدية بدنية دنيوية
قاصرة غاية القصور بالنسبة لرحمة المؤمن،
فالذي يرزق الكافر هو الله الذي يرزقه
بالطعام والشراب واللباس والمسكن والمنكح
وغير ذلك.
أما
المؤمنون، فرحمتهم رحمة أخص من هذه وأعظم،
لأنها رحمة إيمانية دينية دنيوية.
ولهذا
تجد المؤمن أحسن حالاً من الكافر، حتى في
أمور الدنيا، لأن الله يقول:
{مَنْ
عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى
وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ
حَيَاةً طَيِّبَةً}
[النحل:
97] : الحياة
الطيبة هذه مفقودة بالنسبة للكفار، حياتهم
كحياة البهائم، إذا شبع، روث، وإذا لم
يشبع، جلس يصرخ، هكذا هؤلاء الكفار إن
شبعوا بطروا، وإلا جلسوا يصرخون ولا
يستفيدون من دنياهم، لكن المؤمن إن أصابته
سراء، شكر، فهو في خير في هذا وفي هذا،
وقلبه منشرح مطمئن متفق مع القضاء والقدر،
لا جزع عند البلاء، ولا بطر عند النعماء،
بل هو متوازن مستقيم معتدل.
فهذا
فرق ما بين الرحمة هذه وهذه.
لكن
مع الأسف الشديد أيها الأخوة:
إن
منا أناساً آلافاً يريدون أن يلحقوا بركب
الكفار في الدنيا، حتى جعلوا الدنيا هي
همهم، إن أعطوا، رضوا، وإن لم يعطوا، إذا
هم يسخطون هؤلاء مهما بلغوا في الرفاهية
الدنيوية، فهم في جحيم، لم يذوقوا لذة
الدنيا أبداً، إنما ذاقها من آمن بالله
وعمل صالحاً.
ولهذا
قال بعض السلف:
والله،
لو يعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه،
لجالدونا عليه بالسيوف.
لأنه
حال بينهم وبين هذا النعيم ما هم عليه من
الفسوق والعصيان والركون إلى الدنيا
وأنها أكبر همهم ومبلغ علمهم.