الاثنين، 14 أبريل 2014

القرآن كلام الله منزل غير مخلوق منه بدأ وإليه يعود والله تكلم به حقيقة

قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ‏ في العقيدة الواسطية:‏ ومن الإيمان بالله وكتبه الإيمان بأن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق منه بدأ وإليه يعود وأن الله تكلم به حقيقة‏.‏ وأن هذا القرآن الذي أنزله على محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ هو كلام الله حقيقة لا كلام غيره‏.‏ ولا يجوز إطلاق القول بأنه حكاية عن كلام الله أو عبارة‏.‏ بل إذا قرأه الناس أو كتبوه في المصاحف لم يخرج بذلك عن أن يكون كلام الله تعالى حقيقة‏.‏ فإن الكلام إنما يضاف حقيقة إلى من قاله مبتدئًا لا إلى من قاله مبلغًا مؤديًا‏.‏ وهو كلام الله حروفه ومعانيه‏.‏ ليس كلام الله الحروف دون المعاني، ولا المعاني دون الحروف‏.‏

قال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله في شرحه على الواسطية(95-98): من أصول الإيمان‏:‏ الإيمان بالله والإيمان بكتبه‏.‏ كما سبق ويدخل في هذين الأصلين الإيمان بأن القرآن كلام الله‏.‏ فالإيمان بالله ـ عز وجل ـ يتضمن الإيمان بصفاته، وكلامه من صفاته فإن الله تعالى موصوف بأنه يتكلم بما يشاء إذا شاء لم يزل ولا يزال يتكلم وكلامه لا ينفد، ونوع الكلام في حقه أزلي أبدي ومفرداته لا تزال تقع شيئًا فشيئًا حسب حكمته تعالى‏.‏


ومن كلامه القرآن العظيم الذي هو أعظم كتبه، فهو داخل في الإيمان بكتبه دخولًا أوليًا وهو منزل منه سبحانه، فهو تكلم به وأنزل على رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فهو ‏(‏منزل غير مخلوق‏)‏ لأنه صفة من صفاته أضافه إلى نفسه إضافة الصفة إلى موصوفها، وصفاته غير مخلوقه فكلامه غير مخلوق‏.‏ وقد خالف في هذا طوائف، ذكر الشيخ ـ رحمه الله ـ هنا مقالة بعضهم فذكر‏:‏


1 ـ مقالة الجهمية حيث يقولون‏:‏ إن الله لا يتكلم وإنما خلق كلامًا في غيره وجعله يعبر عنه، فإضافة الكلام عندهم إلى الله مجاز لا حقيقة لأنه خلق الكلام فهو متكلم بمعنى خالق الكلام في غيره‏.‏ وهذا القول باطل مخالف للأدلة السمعية والعقلية، ومخالف لقول السلف وأئمة المسلمين فإنه لا يعقل أن يسمى متكلمًا إلا من قام به الكلام حقيقة فكيف يقال‏:‏ قال الله والقائل غيره‏؟‏ وكيف يقال‏:‏ كلام الله وهو كلام غيره‏؟‏‍‍‍‍‍‍‍‍‍‏!‏‍‏.‏


وقول المصنف‏:‏ ‏(‏منه بدأ وإليه يعود وأن الله تكلم به حقيقة وأن هذا القرآن الذي أنزله على محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ هو كلام الله حقيقة لا كلام غيره‏)‏ قصده بهذا الرد على الجهمية الذين يقولون إن القرآن بدأ من غيره وأن الله لم يتكلم به حقيقة بل مجازًا، وهو كلام غيره أضيف إليه لأنه خالقه‏.‏ ومعنى قوله‏:‏ ‏(‏منه بدأ‏)‏ أن القرآن بدأ وخرج من الله تعالى وتكلم به‏.‏ ‏(‏ومن‏)‏ لابتداء الغاية وقوله‏:‏ ‏(‏وإليه يعود‏)‏ أي‏:‏ أن القرآن يرجع إلى الله تعالى لأنه يرفع في آخر الزمان فلا يبقى منه شيء في الصدور ولا في المصاحف، وذلك من علامات الساعة، أو معنى ذلك أنه ينسب إليه‏.‏


2 ـ ثم ذكر الشيخ ـ رحمه الله ـ هنا مقالة الكلابية ‏(‏أتباع عبد الله بن سعيد بن كلاب‏)‏ في القرآن أنه حكاية عن كلام الله، لأن كلام الله عندهم هو المعنى القائم في نفسه لازم لذاته كلزوم الحياة والعلم، لا يتعلق بمشيئته وإرادته‏.‏ وهذا المعنى القائم في نفسه غير مخلوق وهذه الألفاظ المكونة من حروف وأصوات مخلوقة وهي حكاية لكلام الله وليست هي كلامه‏.‏


3 ـ وذكر مقالة الأشاعرة ‏(‏أتباع أبي الحسن الأشعري‏)‏ أن القرآن عبارة عن كلام الله، لأن كلام الله عندهم معنى قائم في نفسه، وهذا المعنى غير مخلوق‏.‏ أما هذه الألفاظ المقروءة فهي عبارة عن ذلك المعنى القائم بالنفس وهي مخلوقة ولا يقال إنها حكاية عنه‏.‏


وبعض العلماء يقول‏:‏ إن الخلاف بين الكلابية والأشاعرة خلاف لفظي لا طائل تحته، فالأشاعرة والكلابية يقولون‏:‏ القرآن نوعان‏:‏ ألفاظ ومعان، فالألفاظ مخلوقة هي هذه الألفاظ الموجودة، والمعاني قديمة قائمة بالنفس وهي معنى واحد لا تبعض فيه ولا تعدد‏.‏ وعلى كل حال فالقولان إن لم يكونا متفقين فهما متقاربان‏.‏


وقد أشار الشيخ ـ رحمه الله ـ إلى بطلان هذين القولين بقوله‏:‏ ‏(‏ولا يجوز إطلاق القول بأنه حكاية عن كلام الله‏)‏ أي‏:‏ كما تقول الكلابية ‏(‏أو عبارة عنه‏)‏ كما تقول الأشاعرة ‏(‏بل إذا قرأه الناس أو كتبوه في المصاحف لم يخرج بذلك عن أن يكون كلام الله حقيقة‏)‏ أي‏:‏ أن القرآن العظيم كلام الله ألفاظه ومعانيه أين وجد، سواء حفظ في الصدور أو تلي بالألسنة أو كتب في المصاحف لا يخرج بذلك عن أن يكون كلام الله تعالى حقيقة‏.‏


ثم ذكر الشيخ ـ رحمه الله ـ دليل ذلك فقال‏:‏ ‏(‏فإن الكلام إنما يضاف حقيقة إلى من قاله مبتدئًا لا إلى من قاله مبلغًا مؤديًا‏)‏ فإن المبلغ المؤدي إنما يسمى واسطة فقط‏.‏ قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللَّهِ‏}‏ الآية ‏(‏6‏)‏ من سورة التوبة‏.‏ والسماع المذكور في هذه الآية إنما يكون بواسطة المبلغ وسمي المسموع كلام الله، فدل على أن الكلام إنما يضاف إلى من قاله مبتدئًا‏.‏


4 ـ ثم ذكر الشيخ ـ رحمه الله ـ مقالة المعتزلة، حيث يقولون‏:‏ إن كلام الله الحروف دون المعاني فيقولون‏:‏ إن مسمى القول والكلام عند الإطلاق اسم للفظ فقط، والمعنى ليس جزء مسماه بل مدلول مسماه‏.‏


ثم ذكر ـ رحمه الله ـ المذهب المقابل لذلك فقال‏:‏ ‏(‏ولا المعاني دون الحروف‏)‏ كما هو مذهب الكلابية والأشاعرة وكما سبق شرحه‏.‏ والمذهب الحق أن القرآن كلام الله حروفه ومعانيه كما هو قول أهل السنة والجماعة، وهو الذي قامت عليه الأدلة من الكتاب والسنة والحمد لله رب العالمين‏.‏