الاثنين، 11 مايو 2015

قضية فَدَكْ -وبالأدلة من كتب الشيعة-

الحمد لله الذي هدانا للإسلام وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله والصلاة والسلام على نبيه محمد المصطفى، الذي تركنا على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها، لا يضل سالكها، ولا يهتدي تاركها، وعلى آله وأصحابه نجوم الهدى، وزين الورى، ومن أحبهم إلى يوم الفناء وزوال الأرض والسماءوبعد
ما هي قضية فدك التي طالما نفخ إليها المنفخون المنافقون وأرادوا منها إثبات التفرقة والخلاف الشديد بين أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم وخاصة بين بيت النبوة وبين المسلمين عامة، فإن أهل البيت كانوا في جانب وكان السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار وبقية الأمة في جانب آخر!!حاشا وكلا أن يكون كذلك، والمسألة لم تكن كبيرة وذات أهمية وأبعاد مثلما جعلوها فقط للطعن واللعن، والقضية كلها كانت بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما توفي وبويع أبو بكر بخلافة رسول الله وإمارة المؤمنين أرسلت إليه بنت رسول الله فاطمة تسأله ميراثها من رسول الله عليه الصلاة والسلام مما أفاء الله على نبيه من فدك1 فأجابها أبو بكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاللا نورث، ما تركنا فهو صدقة، إنما يأكل آل محمد من هذا المال يعني مال الله ...  وإني والله لا أغيّر شيئاً من صدقات النبي صلى الله عليه وسلم التي كانت عليها في عهد النبي صلى الله عليه وسلم -، ولأعملن فيها بما عمل فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم -، وقالوالذي نفسي بيده لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلي أن أصل من قرابتي.
ولما ذكر هذا الصديق لفاطمة رضي الله عنها تراجعت عن ذلك ولم تتكلم فيها بعد حتى ماتت، بل وفى بعض الروايات الشيعية أنها رضيت على ذلك كما يرويه ابن الميثم2 الشيعي في نهج البلاغة"إن أبا بكر قال لهاإن لك ما لأبيك، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذ من فدك قوتكم، ويقسم الباقي ويحمل منه في سبيل الله، ولك على الله أن أصنع بها كما كان يصنع، فرضيت بذلك وأخذت العهد عليه به"3.
ومثل ذلك ذكر الدنبلي في شرحه "الدرة النجفية4
ولكن الشيعة لم يعجبهم بأن ترضى فاطمة بهذا القضاء بتلك السهولة، فسودوا صفحات وأوراقاً كثيرة، وكتبوا بخصوص ذلك كتباً عديدة ملؤها الطعن والشتائم على أصحاب الرسول وتكفيرهم وتفسيقهم واتهامهم بالردة والخروج من الإسلام والظلم والجور على أهل البيت حيث أن أهل المعاملة والقضية لم يتكلموا، لا بقليل ولا بكثير كما نحن ذكرناه من الشيعة أنفسهم، بل وأكثر من ذلك نقل أئمة القوم أنفسهم بأن أبا بكر لم يكتف على الكلام فقط بل أعقبه بالعمل كما يروي ابن الميثم والدنبلي وابن أبي الحديد والشيعي المعاصر فيض الإسلام علي نقي.
"إن أبا بكر كان يأخذ غلتها (أي فدكفيدفع إليهم (أهل البيتمنها ما يكفيهم، ويقسم الباقي، فكان عمر كذلك، ثم كان عثمان كذلك، ثم كان علي كذلك5.
ولكن القوم كيف يرضيهم هذا؟ فقال كبيرهم المجلسيإن من المصيبة العظمى والداهية الكبرى غصب أبى بكر وعمر فدك من أهل بيت الرسالة ... . وإن القضية الهائلة أن أبا بكر لما غصب الخلافة عن أمير المؤمنين، وأخذ البيعة جبراً من المهاجرين والأنصار (؟وأحكم أمره طمع في فدك خوفاً منه بأنها لو وقعت في أيديهم يميل الناس إليهم بالمال، ويتركون هؤلاء الظالمين (يعني أبا بكر ورفاقهفأراد إفلاسهم حتى لا يبقى لهم شيء، ولا يطمع الناس فيهم وتبطل خلافتهم الباطلة، ولأجل ذلك وضعوا تلك الرواية الخبيثة المفتراةنحن معاشر الأنبياء لا نورث، ما تركناه صدقة"6.
وقد سلك مسلكه كثيرون وكم هم؟ كي ينبشوا الضغائن التي لم يكن لها وجود في العالم، ولكن بلهاء القوم لم يعرفوا أن البيت الذي نسجوه كان بيت العنكبوت ولا يبقى أمام عاصفة الحق.
فالرواية التي ردوها هذا حسداً ونقمة على الصديق لم يعلموا أن إمامهم الخامس المعصوم رواها من رسول الله صلى الله عليه وسلم -، وفى كتابهم أنفسهم، نعمفي كتابهم "الكافيالذي يعدونه من أصح الكتب ويقولون فيهإنه كاف للشيعة، يروي الكليني في هذا الكافي عن حماد بن عيسى عن القداح عن أبي عبيد الله عليه السلام قالقال رسول الله صلى الله عليه وسلم -: من سلك طريقاً يطلب فيه علماً سلك الله به طريقاً إلى الجنة ... .. وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر النجوم ليلة البدر، وإن العلماء ورثة الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً، ولكن ورثوا العلم، فمن أخذ منه أخذ بحظ وافر"7.
ورواية أخرى أن جعفر أبا عبد الله قالإن العلماء ورثة الأنبياء، وذاك أن الأنبياء لم يورثوا درهماً ولا ديناراً، وإنما أورثوا أحاديث من أحاديثهم"8.
فماذا يقول المجلسي ومن شاكله في هذا؟
وهناك روايتان غير هذه الرواية رواهما صدوق القوم تؤيد هذه الرواية وتؤكدها وهي:
"عن إبراهيم بن علي الرافعي، عن أبيه، عن جدته بنت أبي رافع قالتأتت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم بابنيها الحسن والحسين عليهما السلام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في شكواه الذي توفي فيه، فقالتيا رسول الله هذان ابناك فورّثهما شيئاً قالأما الحسن فإن له هيبتي وسؤددي وأما الحسين فإن له جرأتي وجودي"9.
والرواية الثانية "قالت فاطمة عليها السلاميا رسول اللههذان ابناك فانحلهما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم -: أما الحسن فنحلته هيبتي وسؤددي وأما الحسين فنحلته سخائي وشجاعتي"10.
ثم وأراد المجلسي وغيره، وهم كثيرون من القوم أن يثبتوا أن أبا بكر ورفاقه لم يعملوا هذا إلا لأن يفلسوا علياً وأهل البيت كيلا يجلب الناس إليهم بالمال والمنال، فيا عجباً على القوم وعقولهم هل هم يظنون علياً وأهل بيته أمثال طلاب الحكم والرئاسة في هذه العصور المتأخرة بأنهم يطلبونها بالمال والرشى، وإن كانت القضية هكذا فالمال كان متوفراً عندهم لأن الكليني يذكر ويروي عن أبي الحسن الإمام العاشر عند القوم أن الحيطان السبعة كانت وقفت على فاطمة عليها السلام وهي (1) الدلال (2) والعوف (3) والحسنى (4) والصافية (5) وما لام إبراهيم (6) والمثيب (7) والبرقة"11.
فهل من يملك العقارات السبعة ينقصه من المال شيء؟
ثم وهل يظنون النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يجعل أموال الدولة أمواله وملكه؟ وهذا ما لا يرضاه العقل، وحتى هذا العصر، عصر السلب والنهب، وعصر اللامبالاة وعدم التمسك بالدين، ففي مثل هذا العصر إن الملوك والحكام لو استولوا على بقعة من بقاع الأرض، أو فتحوها لا يجعلونها ملكاً لهم دون غيرهم، بل يجعلونها ملكاً للدولة يتصرفون فيها في مصالح الرعية وشئون العامة والخاصة، فهل كان الرسول فداه أبواي وروحي صلى الله عليه وسلم في نظر القوم ممن يؤثرون أنفسهم على الناس؟
سبحان الله ما هذا إلا إفك مفترى، والرسول العظيم الرؤوف الرحيم بريء ورفيع من هذا.
وهناك شيء آخر وهو إن كانت أرض فدك ميراث رسول الله -
صلى الله عليه وسلم فلم تكن السيدة فاطمة رضي الله عنها وريثة وحيدة لها، بل كانت ابنتا الصديق والفاروق وارثتين أيضاً فحرم الصديق والفاروق ابنتيهما كما حرما فاطمة، ثم وعباس عم النبي كان حياً وهو من ورثته بلا شك.
وثالثاً إن المعترضين من الشيعة لا يعرفون بأن في مذهبهم لا ترث المرأة من العقار والأرض شيئاً، فلقد بوّب باباً مستقلة في هذا الخصوص، فانظر إلى الكليني، فإنه بوّب باباً مستقلاً بعنوان "إن النساء لا يرثن من العقار شيئاًثم روى تحته روايات عديدة.
"عن أبي جعفر الإمام الرابع المعصوم عند القوم قالالنساء لا يرثن من الأرض ولا من العقار شيئاً"12.
وروى الصدوق ابن بابويه القمي في صحيحه "من لا يحضره الفقيهعن أبي عبد الله جعفر الإمام الخامس عندهم أم ميسرا قالسألته (أي جعفرعن النساء ما لهن من الميراث؟ فقالفأما الأرض والعقارات فلا ميراث لهن فيه"13.
ومثل هذه فإنها لكثيرة، وقد ذكروا على عدم الميراث في العقارات والأراضي اتفاق علمائهم14فما دامت المرأة لا ترث العقار والأرض فكيف كان لفاطمة أن تسأله فدك حسب قولهم وهي عقار لا ريب فيها، لا يختلف فيها اثنان، ولا يتناطح فيها كبشان.
وأما إغضاب الصديق فاطمة والقول بأنها رجعت ولم تتكلمه حتى ماتت.
نعم!
إنها رجعت عن القول بوراثة فدك، ولم تتكلمه في هذا الموضوع حتى آخر حياتها.
وأما غصب حقوقها فها هو المجلسي وهو على تعنّفه وتعنّته يضطر إلى أن يقول:إن أبا بكر لما رأى غضب فاطمة قال لهاأنا لا أنكر فضلك وقرابتك من رسول الله عليه السلام، ولم أمنعك من فدك إلا امتثالاً بأمر رسول الله، وأشهد الله على أني سمعت رسول الله يقولنحن معاشر الأنبياء لا نورث، وما تركنا إلا الكتاب والحكمة والعلم، وقد فعلت هذا باتفاق المسلمين ولست بمتفرد في هذا، وأما المال فإن تريدينها فخذي من مالي ما شئت لأنك سيدة أبيك وشجرة طيبة لأبنائك، ولا يستطيع أحد أن ينكر فضلك"15.
فهل بعد هذا يمكن لأحد أن يقول:
إن أبا بكر أغضبها، وغصب حقها، وأراد إيذائها، وأقلقها، وأفلسها لأغراضه وأهدافه؟
اللهم إلا من عمي قلبه، وتحجر عقله، وأفلس ذهنه، واختلت حواسه؟
فالعمارة التي أرادوا بنائها على هذا الأساس الواهي لإقامة المآتم ومجالس اللعن والطعن على غصب حقوق أهل البيت، وإثبات المنافرة والعداوة بين خلفاء النبي وأصحابه وبين أهل بيته كانت مهدمة يوم أرادوا بنائها، والقصة التي أرادوا أن ينسجوها من الوهم والخيال راحت على أدراج الرياح وكانت هباء منثوراً، وقبل ذلك أقام القيامة على السبئيين سيد أهل البيت وزوج فاطمة، عليّ بن أبي طالب رضي الله عنهما يوم تولى الأمر كما ذكره السيد مرتضى الملقب بعلم الهدى إمام الشيعة:
"إن الأمر لما وصل إلى علي بن أبي طالب كلّم في رد فدك، فقالإني لأستحيي من الله أن أرد شيئاً منع منه أبو بكر وأمضاه عمر"16.
ولأجل ذلك لما سئل أبو جعفر محمد الباقر عن ذلك وقد سأله كثير النوال "جعلني الله فداك أرأيت أبا بكر وعمر هل ظلماكم من حقكم شيئاً أو قالذهبا من حقكم بشيء؟ فقاللا والذي أنزل القرآن على عبده ليكون للعالمين نذيراً ما ظلمانا من حقنا مثقال حبة من خردل، قلتجعلت فداك أفأتولاهما؟
قالنعم ويحك تولهما في الدنيا والآخرة، وما أصابك ففي عنقي"17.
وأخو الباقر زيد بن علي بن الحسين قال أيضاً في فدك مثل ما قاله جده الأول علي بن أبي طالب وأخوه محمد الباقر لما سأله البحتري بن حسان وهو يقولقلت لزيد بن علي عليه السلام وأنا أريد أن أهجن أمر أبي بكرإن أبا بكر انتزع فدك من فاطمة عليها السلام، فقالإن أبا بكر كان رجلاً رحيماً، وكان يكره أن يغير شيئاً فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتته فاطمة فقالتإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاني فدك، فقال لهاهل لك على هذا بينة، فجاءت بعلي عليه السلام فشهد لها، ثم جاءت أم أيمن فقالتألستما تشهدان أني من أهل الجنة قالابلى، قال أبو زيديعني أنها قالت لأبي بكر وعمرقالتفأنا أشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاها فدك فقال أبو بكرفرجل آخر أو امرأة أخرى لتستحقي بها القضية، ثم قال زيدأيم اللهلو رجع الأمر إليّ لقضيت فيه بقضاء أبي بكر"18.
فهل بعد هذا يحتاج الأمر إلى الإيضاح أكثر من ذلك؟
وقبل أن نأتي إلى آخر الكلام نريد أن نثبت ههنا روايتين رواهما الكليني في هذا الخصوص، فأما الأولى فهي التي رواها عن أبي عبد الله جعفر أنه قالالأنفال ما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب، أو قوم صالحوا، أو قوم أعطوا بأيديهم، وكل أرض خربة وبطون الأودية فهو لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو للإمام من بعده يضعه حيث يشاء"19.
وهذه صريحة في معناها بأن الإمام بعد النبي أحق الناس بالتصرف فيها.
والرواية الثانية التي نذكرها هي طريفة ومروية أيضاً في الأصول من الكافي أن أبا الحسن موسى الإمام السابع للقوم ورد على المهدي، ورآه يردّ المظالم فقاليا أمير المؤمنينما بال مظلمتنا لا ترد؟
فقال لهوما ذاك يا أبا الحسن؟ قالفدك، فقال له المهدييا أبا الحسنحدّها لي، فقالحد منها جبل أحد، وحد منها عريش مصر، وحد منها سيف البحر، وحد منها دومة الجندل"20.
يعني نصف العالم كله، فأين قرية من خيبر من نصف الدنيا؟!!

______________________

1 "فدكقرية بخيبر، وقيلبناحية الحجاز، فيها عين ونخل، أفاء الله على نبيه صلى الله عليه وسلم - (لسان العرب، ج10 ص473)
2 هو كمال الدين مثيم بن على ميثم البحراني من مواليد القرن السابع من الهجرة "العالم الرباني، والفيلسوف، الحبر المحقق، والحكيم المتأله المدقق، جامع المعقول والمنقول، أستاذ الفضلاء الفحول، صاحب الشروح على نهج البلاغة، يروي عن المحقق الطوسي .. قيلإن الخواجه نصير الدين الطوسي تلمذ على كمال الدين ميثم في الفقه، وتلمذ على الخواجه في الحكمة، توفي سنة 679، وقبر في هلتا من قرى ماحوذ" (الكنى والألقاب جص419)، وهو الذي قال:
طلبت فنون العلم أبغي بها العلى ... فقصر بي عما سموت به القل
تبين لي أن المحاسن كلها ... فرع وأن المال فيها هو الأصل

3 "شرح نهج البلاغةلابن ميثم البحراني جص107 ط طهران
4 ص331، 332 ط إيران
5 "شرح نهج البلاغةلابن أبي الحديد ج4، أيضاً "شرح نهج البلاغةلابن ميثم البحراني جص107، "الدرة النجفيةص332، "شرح النهجفارسي لعلي تقي جص960 ط طهران
6 "حق اليقينفارسي للملا مجلسي ص191 تحت "مطاعن أبي بكر"
7 "الأصول من الكافيكتاب فضل العلم، باب العالم والمتعلم جص34
8 "الأصول من الكافيباب صفة العلم وفضله وفضل العلماء جص32
9 "كتاب الخصالللقمي ص77
10"كتاب الخصالللقمي ص77
11 كتاب الوصايا "الفروع من الكافيجص47، 48
12"الفروع من الكافيكتاب المواريث جص137
13"الفروع من الكافيكتاب الفرائض والميراث جص347
14 انظر لذلك كتب القوم في الفقه.
15 "حق اليقينص201، 202 - ترجمة من الفارسية
16"الشافيللمرتضى ص231، أيضاً "شرح نهج البلاغةلابن أبي الحديد ج4
17"شرح نهج البلاغةلابن أبي الحديد جص82
18"شرح نهج البلاغةلابن أبي الحديد جص82
19"الأصول من الكافيكتاب الحجة، باب الفيء والأنفال جص539
20 "الأصول من الكافيباب الفيء والأنفال جص 543  

من كتاب "الشيعة وأهل البيتلإحسان إلهي ظهير رحمه الله-بتصرف-