تفسير التوحيد وشهادة أن لا إله إلا الله
هما بمعنى واحد، فهو من باب عطف المترادفين.
وهذه المسألة أكبر المسائل وأهمها . وحقيقة تفسير التوحيد:
العلم والاعتراف بتفرد الرب بجميع صفات الكمال وإخلاص العبادة له.
وذلك يرجع إلى أمرين:
الأمر الأول: نفي الألوهية كلها عن غير الله، بأن يعلم ويعتقد أنه لا يستحق الإلهية ولا شيئاً من العبودية أحد من الخلق لا نبي مرسل، ولا ملَكٌ مقرَّب ولا غيرهما، وأنه ليس لأحد من الخلق في ذلك حظ ولا نصيب.
والأمر الثاني: إثبات الألوهية لله تعالى وحده لا شريك له، وتفرده بمعاني الألوهية كلها، وهي نعوت الكمال كلها، ولا يكفي هذا الاعتقاد وحده حتى يحققه العبد بإخلاص الدين كله لله، فيقوم بالإسلام والإيمان والإحسان وبحقوق الله وحقوق خلقه، قاصداً بذلك وجه الله، وطالباً رضوانه وثوابه.
ويعلم أن من تمام تفسيرها وتحقيقها البراءة من عبادة غير الله، وأن اتخاذ أنداد يحبهم كحب الله أو يطيعهم كطاعة الله، أو يعمل لهم كما يعمل لله ينافي معنى لا إله إلا الله أشد المنافاة.
وبين المصنف - رحمه الله - أن من أعظم ما يبين معنى لا إله إلا الله قوله صلى الله عليه وسلم: "من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله" فلم يجعل مجرد التلفظ بها عاصماً للدم والمال، بل ولا معرفة معناها مع لفظها، بل ولا الإقرار بذلك، بل ولا كونه لا يدعو إلا الله وحده لا شريك له، بل لا يحرم ماله ولا دمه حتى يضيف إلى ذلك الكفر بما يُعبد من دون الله، فإن شك أو توقف لم يحرم ماله ولا دمه. فتبين بذلك أنه لا بد من اعتقاد وجوب عبادة الله وحده لا شريك له، ومن الإقرار بذلك اعتقاداً ونطقاً، ولا بد من القيام بعبودية الله وحده طاعة لله وانقيادا، ولا بد من البراءة مما ينافي ذلك عقلاً وقولاً وفعلاً.
ولا يتم ذلك إلا بمحبة القائمين بتوحيد الله وموالاتهم ونصرتهم، وبغض أهل الكفر والشرك ومعاداتهم، لا تغني في هذا المقام الألفاظ المجردة، ولا الدعاوى الخالية من الحقيقة، بل لا بد أن يتطابق العلم والاعتقاد والقول والعمل، فإن هذه الأشياء متلازمة متى تخلف واحد منها تخلفت البقية والله أعلم.
من كتاب "القول السديد شرح كتاب التوحيد" للعلّامة السعدي رحمه الله