القلب الميت الذي لا حياة به، لا يعرف ربه، ولا يعبده بأمره وما يحبه ويرضاه، بل هو واقف مع شهواته ولذاته؛ ولو كان فيها سخط ربه وغضبه، فهو لا يبالي إذا فاز بشهوته وحظه، رضي ربه أم سخط، فهو متعبد لغير الله: حباً، وخوفاً، ورجاءً، ورضاً، وسخطاً، وتعظيماً؛ وذلاً.
إن أحب أحب لهواه، وإن أبغض أبغض لهواه، وإن أعطى أعطى لهواه، وإن منع منع لهواه.
فهواه آثر عنده وأحب إليه من رضا مولاه.
فالهوى إمامه، والشهوة قائده، والجهل سائسه، والغفلة مركبه.
فهو بالفكر في تحصيل أغراضه الدنيوية مغمور، وبسكرة الهوى وحب العاجلة مخمور.
ينادى إلى الله وإلى الدار الآخرة من مكان بعيد، فلا يستجيب للناصح، ويتبع كل شيطان مريد.
الدنيا تسخطه وترضيه. والهوى يصمه عما سوى الباطل ويعميه. فهو في الدنيا كما قيل في ليلى:
عَدُو لِمَنْ عَادَتْ، وَسِلمٌ لأهْلِهَا ... وَمَنْ قَرَّبَتْ لَيْلَى أَحَبَّ وَأَقْرَبا
فمخالطة صاحب هذا القلب سُقْمٌ. ومعاشرته سم. ومجالسته هلاك.
[ إغاثة اللهفان لابن القيم/ت الشيخ الألباني والحلبي]